عن مكر التاريخ:
يناقش صديقي "ابراهيم ابو مر" مؤيدي الحكم الأموي حين يقولون: إن غاية الحكم عند الأمويين رفع مستوى الأمة، لا تحقيق العدالة الفردية، فضحوا في سبيل ذلك ببعض الاحكام التفصيلية، بعكس الخلافة الراشدة، التي كانت غايتها حراسة الدين.
ثم يستغرب صديقي ما يراه ركون الأمة إلى هذا الانحراف "بعيدة عن حقبة رشدها!!!"
ولي تعليق ها هو:
أعتقد أن للتاريخ مكره الخاص. وأعتقد كذلك أن غايته تبرر وسيلته. ومن هنا فقد كانت عبقرية رجل مثل مكيافبللي، هي أنه أحسن قراءة التاريخ: إذ لم يكن هو من صاغ هذه العبارة التي طالما رأى الأخلاقيون أنها مشينة، ورأى المؤرخون أنها حكم التاريخ، وحكمة السياسة.
وقبل التسرع في استنكار وصفي لعبارة مكيافيللي، ربما يجدر بي التذكير بأنها كانت منه خلاصة قراءة طويلة وحقيقية لفعل التاريخ.
وهنا أرجو أن يذكر المتابعون تعريفي الدائم لمعنى كلمة "تاريخي" بأنه فعل الناس في الدنيا بشروط الدنيا.
بمعنى آخر، أن حكم التاريخ هو استقراء مجمل أفعال البشر في المواقف المتشابهة.
بهذا المعنى كانت عبارة مكيافيللي حكم التاريخ.
فهل كان أسلوب الأمويين في الحكم تاريخياً.
بالتأكيد نحن لا نستطيع الزعم بأنه كان عادلاً تماماً. ولكن هل شهد التاريخ تحقيق العدل بطريقة تامة عهداً طويلاً في أي مكان من العالم؟
وهل يمكن تصور حدوث هذا، وهو لم يحدث بعد وفاة الرسول طويلاً؟
فإن كان الجواب بالسلب ـ وهو كذلك بالفعل ـ استخلصنا حقيقة تقول بأن ثمة فرقاً بين حكم التاريخ وحكم العدل.
ذلك لأن حكم التاريخ هو القوة. أو هو بعبارة نيتشه: "إرادة القوة".
والآن ماذا كان سيحدث لو لم يحكم الأمويون بهذه الطريقة؟
سأقول شيئاً جريئاً:
لكانت الدولة الإسلامية قد شهدت تغيير هويتها العربية.
ولكان للمسلمين ـ الجدد الذين ينحدر أغلبهم من أمهات فارسيات ـ أن يكونوا فرس الثقافة والهوى والصورة.
ولصارت اللغة العربية لغة القرآن والصلاة فحسب، كما هي اللغة اللاتينية اليوم للكنائس.
لقد استولدت قابلةُ التاريخ، بيدها الدموية القاسية، عروبةَ إمبراطوريةٍ العربُ فيها جاليةٌ صغيرة، كان بإمكانهم أن ينهزموا ثقافياً أمام من سبق أن انتصورا عليهم عسكرياً، فيعيدوا سيرة الرومان مع اليونان.
لكن معاوية كان أدهى من يوليوس قيصر.
.
لقد كانت الدولة الأموية بعثية قومية ناصرية بالدرجة الأولى، ثم إسلامية بعد ذلك. ودعني أذكرك بحادثة جرت في الأسابيع القليلة الماضية:
عباس النوري الممثل السوري، قالت وسائل الإعلام أن النظام السوري (البعثي العروبي الأموي الهوى) عاقبه بمنعه من الظهور في وسائل الإعلام الرسمية، لأنه نال ـ في جلسة خاصة ـ من صلاح الدين الأيوبي.
إن النظام ينحاز إلى "بني مروان" ضد ما يمكن أن يسميه العميُّ الدينيون "آل البيت".
وهذا يحدث ـ يا لعجب المتدينين الجدد ـ من نظام يصفونه بالشيعي العلوي الإسماعيلي!
وأخيراً يا صديقي، هل كنت تظن أن شمال أفريقيا كان سيكون عربياً بمجرد الفتح؟
كلا، فقد مر به الفاتحون العرب مروراً، وعبروه إلى الأندلس الرطيب، تاركيه لأهله البربر، إلى أن جاء الغزو الهلالي فعرّبه.
إنني هنا أحاول فقط أن أقرأ حكم التاريخ.
تحياتي لك ولكل من يقرأ الكلمات.
يناقش صديقي "ابراهيم ابو مر" مؤيدي الحكم الأموي حين يقولون: إن غاية الحكم عند الأمويين رفع مستوى الأمة، لا تحقيق العدالة الفردية، فضحوا في سبيل ذلك ببعض الاحكام التفصيلية، بعكس الخلافة الراشدة، التي كانت غايتها حراسة الدين.
ثم يستغرب صديقي ما يراه ركون الأمة إلى هذا الانحراف "بعيدة عن حقبة رشدها!!!"
ولي تعليق ها هو:
أعتقد أن للتاريخ مكره الخاص. وأعتقد كذلك أن غايته تبرر وسيلته. ومن هنا فقد كانت عبقرية رجل مثل مكيافبللي، هي أنه أحسن قراءة التاريخ: إذ لم يكن هو من صاغ هذه العبارة التي طالما رأى الأخلاقيون أنها مشينة، ورأى المؤرخون أنها حكم التاريخ، وحكمة السياسة.
وقبل التسرع في استنكار وصفي لعبارة مكيافيللي، ربما يجدر بي التذكير بأنها كانت منه خلاصة قراءة طويلة وحقيقية لفعل التاريخ.
وهنا أرجو أن يذكر المتابعون تعريفي الدائم لمعنى كلمة "تاريخي" بأنه فعل الناس في الدنيا بشروط الدنيا.
بمعنى آخر، أن حكم التاريخ هو استقراء مجمل أفعال البشر في المواقف المتشابهة.
بهذا المعنى كانت عبارة مكيافيللي حكم التاريخ.
فهل كان أسلوب الأمويين في الحكم تاريخياً.
بالتأكيد نحن لا نستطيع الزعم بأنه كان عادلاً تماماً. ولكن هل شهد التاريخ تحقيق العدل بطريقة تامة عهداً طويلاً في أي مكان من العالم؟
وهل يمكن تصور حدوث هذا، وهو لم يحدث بعد وفاة الرسول طويلاً؟
فإن كان الجواب بالسلب ـ وهو كذلك بالفعل ـ استخلصنا حقيقة تقول بأن ثمة فرقاً بين حكم التاريخ وحكم العدل.
ذلك لأن حكم التاريخ هو القوة. أو هو بعبارة نيتشه: "إرادة القوة".
والآن ماذا كان سيحدث لو لم يحكم الأمويون بهذه الطريقة؟
سأقول شيئاً جريئاً:
لكانت الدولة الإسلامية قد شهدت تغيير هويتها العربية.
ولكان للمسلمين ـ الجدد الذين ينحدر أغلبهم من أمهات فارسيات ـ أن يكونوا فرس الثقافة والهوى والصورة.
ولصارت اللغة العربية لغة القرآن والصلاة فحسب، كما هي اللغة اللاتينية اليوم للكنائس.
لقد استولدت قابلةُ التاريخ، بيدها الدموية القاسية، عروبةَ إمبراطوريةٍ العربُ فيها جاليةٌ صغيرة، كان بإمكانهم أن ينهزموا ثقافياً أمام من سبق أن انتصورا عليهم عسكرياً، فيعيدوا سيرة الرومان مع اليونان.
لكن معاوية كان أدهى من يوليوس قيصر.
.
لقد كانت الدولة الأموية بعثية قومية ناصرية بالدرجة الأولى، ثم إسلامية بعد ذلك. ودعني أذكرك بحادثة جرت في الأسابيع القليلة الماضية:
عباس النوري الممثل السوري، قالت وسائل الإعلام أن النظام السوري (البعثي العروبي الأموي الهوى) عاقبه بمنعه من الظهور في وسائل الإعلام الرسمية، لأنه نال ـ في جلسة خاصة ـ من صلاح الدين الأيوبي.
إن النظام ينحاز إلى "بني مروان" ضد ما يمكن أن يسميه العميُّ الدينيون "آل البيت".
وهذا يحدث ـ يا لعجب المتدينين الجدد ـ من نظام يصفونه بالشيعي العلوي الإسماعيلي!
وأخيراً يا صديقي، هل كنت تظن أن شمال أفريقيا كان سيكون عربياً بمجرد الفتح؟
كلا، فقد مر به الفاتحون العرب مروراً، وعبروه إلى الأندلس الرطيب، تاركيه لأهله البربر، إلى أن جاء الغزو الهلالي فعرّبه.
إنني هنا أحاول فقط أن أقرأ حكم التاريخ.
تحياتي لك ولكل من يقرأ الكلمات.