أخر الاخبار

رواية العنقاء كاملة : الجزء 12: رواية تاريخية تحدثت عن إنتصار المقاومة في غزة ما بين فترة الحكم العثماني و الاحتلال الفرنسي.

رواية العنقاء كاملة : الجزء 12:  رواية تاريخية تحدثت عن إنتصار المقاومة في غزة ما بين فترة الحكم العثماني و الاحتلال الفرنسي. للكاتب عبد الكريم السبعاوي في 1942  المولود في حارة التفاح بمدينة غزة لأسرة فقيرة لكنها حفية بالعلم والثقافة
----------------
***
منذ أعلن عن وصول قافلة علي الطاهر من السودان .. وغزة تستعد لليوم
الموعود .. مولنا علي الطاهر من علماء غزة الفاضل .. عين قاضيا" في السودان ثم
ما لبث أن ترك القضاء واشتغل بتجارة الرقيق .. قوافله تعبر درب الربعين إلى مصر
.. ومنها إلى الشام بعد أن تتوقف قليل" في غزة لعرض ما لديه من بضاعة نادرة ..
. وليقضي مولنا اياما" بين أهله وأصدقائه
رغم أن الجواري السود كن يستخدمن في المطبخ .. إل أن الطاهر حرص على أن
يجمع في بضاعته مواصفات خاصة .. كان يتذوق اللون السود ويعشقه .. وكثيرا" ما
حملت قوافله من جميلت صبايا الزنج ما يخلب اللباب .. القوام الممشوق .. صلبة
.الرداف .. خفة الدم .. وحلوة الملمح .. كأنهن تماثيل المرمر
حرص مولنا على تعليمهن النطق بالعربية .. وتأديبهن وتدريبهن على القيام بالعمال
 .. المنزلية .. حتى صارت زنجياته حلما" لكل موسر في مصر والشام
جنى مولنا من وراء ذلك ثروة طائلة .. في يوم الخميس بدأ المزاد على عدد
من جواريه .. وقفت الجارية في منتصف الغرفة وإلى جانبها الدلل يصف محاسنها
 . ويمدح خصالها
حين وصل جوهر وجد غزة كلها هناك .. المتصرف .. التفكجي باشا .. شيخ
. المشايخ .. القاضي .. الشاهبندر .. كبار التجار .. أصحاب الخانات .. العيان
تذكر جوهر وصية سيده يونس ( ل تشتري حتى ينتهي المزاد .. الجمال ليس
مهما .. أريدها عاقلة .. نظيفة .. نشيطة .. مطيعة .. تخدم فاطمة وتؤنس وحشتها في
 . ( وادي الزيت
أشار مولنا الطاهر إلى الجارية بأن تخلع ثوبها .. ترددت قليل" .. تقدم منها ..
ساعدها في خلعه .. سطع سوادها كما يسطع البنوس .. مما زاد في بياض أسنهانها ..
 : فتوهجت كصف اللؤلؤ .. قال الطاهر مشيرا" إليها
 . الناس تعشق من خال بوجنته فكيف بي وحبيبي كله خال -
نزل الطاهر عن المنصة تاركا" العيون تلتهم معالم جسدها الوثني .. اندس في
صفوف النظارة .. جاءت وقفته بين أبي الطايع والقاضي معروف .. كان الثلثة
 . أصدقاء طفولة .. وزملء كتاب واحد .. قبل أن تتشعب بهم الحياة كل في طريقه
بدأ الدلل عمله بوصف شعرها الجعد الثقيل .. مشيدا" بقوته وغزارته .. ثم
فرق بأصابعه شفتيها المكتنزتين ليرى النظارة أسنانها .. وأعطاها بندقة ليمتحن قوة
أسنانها أمام الجمهور .. كسرتها دون عناء .. ثم انحدر إلى عنقها الطويلة .. فأكتافها
الممتلئة .. فنهديها الصلبين الفائرين .. فبطنها المستديرة .. فكشحها الهضيم .. فساقيها
..
 :لم يترك له القاضي أن يسترسل .. قاطعه
 . لها أيطل ظبي وساقا نعامة -
 . ضحك الحاضرون .. واصل الدلل وصفه الدقيق
 : قال الطاهر لمعروف
 . فتاة كهذه تعيد لك شبابك أيها القاضي -
 : تدخل أبو الطايع ناصحا"
ل تشتريها أيها القاضي .. مع فتاة كهذه سوف يستنفذ زين الدين العطار كل -
..أموالك
 : سفه الطاهر رأي أبو الطايع
مع فتاة كهذه لن تحتاج زين الدين العطار على الطلق .. في جسدها من التوابل ما -
 . يغنيك عن أدوية العطارين
 : أغرقا في الضحك .. قال أبو الطايع
عجبت لكما .. وال ما زادكما التقدم في السن إل خفة وطيشا" .. وما زادكما التبحر -
في الدين إل مروقا" منه .. وصدق فيكما قول الشاعر ( وإن سفاه الشيخ ل حلم بعده ..
 . ( وإن الفتى بعد السفاهة يحلم
 : أجاب معروف
ما شاء ال عليك أيها الحليم التقي الورع .. أظنهم يضعون الحجارة على أذيالك حتى -
ل تطير إلى السماء السابعة من شدة تقواك .. ألم تعرض على تيمور الضرغام أن
يبيعك غلمه يلماز بعشرة ذهبيات .. أم أنك أردت الغلم ليؤمك في الصلة أيها الفاسق
.
أغرقا في الضحك ثانية .. بينما تلفت أبو الطايع حتى يتأكد أن أحدا" لم يسمع
 . كلم معروف
كان المزاد قد بدأ .. فانصرفوا إليه بكل اهتمامهم .. تحسس القاضي معروف
 : الصرة التي منحها له الجزار .. وقال في نفسه
 . لماذا خلقت النقود إن لم تكن للتسري بفتاة كهذه -
تحمس المزايدون وارتفع السعر أكثر مما قدر الجميع ..بدأوا يتراجعون إل
 .. القاضي الذي قرر الصعود إلى آخر الشوط .. خمسة عشر ذهبية
 : حبس الجميع أنفاسهم .. جاء صوت الدلل
 . هي لك أيها القاضي .. هنيئا" مريئا" -
نقد القاضي الدلل الثمن .. تقدم من الفتاة العارية .. القى عليها عباءته واقتادها
 . إلى الخارج
استمر المزاد .. الجارية الثانية كانت من نصيب أبي الطايع .. أما الثالثة فاشتراها
 : رشيد عليان .. قال نظمي أفندي لجاره
منذ افتض هذا اللعلين بكارة سارة .. لم تعد أي امرأة تمل عينه .. ها هو يشتري كل -
 . عام جارية ويفتضها إحياء للذكرى
 : انفرد جوهر بالطاهر وقال له
سيدي يونس يريد جارية لخدمة زوجته .. الجمال ليس مهما" .. يريدها عاقلة مطيعة -
 . حسنة العشرة
من سوء حظك أيها العبد ( أراد أن يضيف التنتون.. ولكنه لحظ السيف الذي يتدلى -
 . ( على جنب جوهر فتدارك
أيها العبد البهي الطلعة .. إن جميع جواري الطاهر يتمتعن بجمال فاحش .. ادخل البيت
وسترى بنفسك .. ربما اخترت احداهن مضطرا" .. ولكن قبل أن أدخلك عليهن .. أريد
 . أن أتأكد أن معك من المال ما يكفي للصفقة
 : تدخل أبو الطايع .. وقد وجدها مناسبة لغاظة صديقه الطاهر والنيل منه
اقصر عن جوهر .. فهو رسول السيد يونس صاحب وادي الزيت .. وإن ما معه -
 . الن يكفي لشرائك أنت أيها النخاس .. عشر مرات على القل
احمر وجه الطاهر .. فما تعود أحد في غزة أن يلقبه بالنخاس وهو العالم
القاضي الجليل .. ها هو واحد من أعز أصدقائه يفعل ذلك علنية .. ثم تذكر تواطؤه
 : مع القاضي معروف ضد أبي الطايع منذ هنيه .. وقال في نفسه
 . مازال أبو الطائع غاضبا" علينا -
سحب جوهر من يده .. دخل ليستعرض أمامه الفتيات الباقيات .. ما أن اجتازا
عتبة الغرفة حتى هرع إليهما كل من بها من الفتيات .. جثون على ركبهن وصرن
 . يهتفن .. خذني .. خذني .. أنا .. أتوسل اليك .. أخرجني من هذا الجحر
 : قال جوهر في نفسه
لبد أن هؤلء جواري الدرجة الثانية .. اللواتي فشل الطاهر في ترويضهن وإعدادهن -
للبيع بالمزاد .. وقد جازاهن على ذلك بإساءة المعاملة والحرمان مما تتمتع به
 . المحظيات والسراري من رغد ونعيم
جواري الخدمة في نظر الطاهر سقط متاع ل يؤبه له .. خاف جوهر إن اختار
واحدة .. أن يشتط عليه الطاهر في الثمن .. خاصة بعد الذي سمعه من أبي الطايع ..
 : أرد أن يباغت البائع
ماذا عن السعر يا سيدي ؟ -
لكل جارية سعرها .. هذه بثلث ذهبيات .. تلك بأربعة .. الجاثية أمامك هذه -
بخمسة .. أما تلك في أقصى الغرفة .. التي تدير وجهها للجدار .. فإنني أرضى ببيعها
مقابل ذهبية واحدة .. لنها عنيدة .. رفضت أن تتعلم شيئا" طوال عام كامل .. حسبنا
 : أنها خرساء حتى ضبطناها تغمغم بالصلة على طريقة نصارى الحبشة
سمع جوهر كلمة الحبشة فهرع نحو الفتاة .. ركع إلى جوارها وباللغة التي
جاهدت النجاشي طويل" لكي تعلمها له دون جدوى .. وبالكلمات القليلة التي ما تزال
 : عالقة بذهنه .. خاطبها دون أن يسمعه ابو الطاهر
هل أنت من قبيلة زانو ؟ -
التفتت إليه فجأة ثم ارتمت على أكتافه وقد أجهشت بالبكاء .. تخلص منها دون أن يلفت
 . نظر الطاهر
. ل تدعي هذا التاجر اللعين يلحظ شيئا" .. تجلدي وسوف أبذل ما في وسعي -
 : أخرج ذهبية وناولها للطاهر
 . أريد تلك الفتاة -
 . هي لك .. ولكن البضاعة ل ترد بعد البيع -
 : سحبها جوهر من يدها وغادر المكان والطاهر يقول في نفسه
. لكل ساقطة لقطة -


 رواية العنقاء كاملة :الجزء 13:

 رواية العنقاء كاملة :الجزء 11:


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-