التهجير من غزة: مشروع قديم بوجه جديد… من شائعة بوروندي إلى خرائط الترحيل
شبكة أضواء الاخبارية – تحقيق خاص
هل حقًا يسعى الاحتلال الإسرائيلي لإرسال الغزيين إلى بوروندي شمال أفريقيا؟ القصة تبدو مثيرة للدهشة، لكنها عند التدقيق تكشف عن مزيج من حقائق، محاولات قديمة، وحرب نفسية جديدة تستهدف الفلسطينيين.
الجذور التاريخية: التهجير كخيار استراتيجي
منذ النكبة عام 1948، تعاملت إسرائيل مع ملف اللاجئين الفلسطينيين كعبء يجب التخلص منه. وثائق إسرائيلية مسرّبة تحدثت عن خطط لترحيل فلسطينيي غزة إلى سيناء أو الأردن، وحتى محاولات لتوطينهم في أميركا اللاتينية. خلال الستينيات والسبعينيات، أثيرت مشاريع لترحيل عائلات كاملة إلى البرازيل وباراغواي بتمويل غربي، لكن معظمها فشل أمام رفض الفلسطينيين وتغيّر الظروف الدولية.
من حرب غزة إلى «الهجرة الطوعية»
مع حرب غزة الأخيرة (2023–2025)، أعاد الاحتلال فتح ملف التهجير تحت مسمى «الهجرة الطوعية». تقارير رويترز وصحف عبرية تحدثت عن اتصالات غير رسمية بين مسؤولين إسرائيليين وبعض الدول الأفريقية، منها:
- جنوب السودان
- الكونغو الديمقراطية
- السودان
- أوغندا
لكن حكومات مثل جنوب السودان سارعت إلى نفي رسمي لما نُشر، مؤكدة أنها لم تتلقَ أي طلب ولم توافق على استقبال نازحين من غزة.
بوروندي: الشائعة التي كشفت التناقض
انتشر في وسائل إعلام عبرية غير رسمية أن الفلسطينيين قد يُنقلون «بحرًا إلى بوروندي شمال أفريقيا». لكن التدقيق الجغرافي يكفي لتفكيك الرواية:
- بوروندي دولة داخلية (لا تطل على البحر) وتقع في شرق/وسط أفريقيا، وليست في شمالها.
- لا يمكن منطقيًا «إنزال» سفن لاجئين على شواطئ دولة بلا سواحل.
هنا يظهر كيف يمكن للشائعات أن تتحول إلى أداة حرب نفسية، تُرهب الغزيين وتزرع الخوف من مستقبل مجهول.
لماذا أفريقيا دائمًا؟
إقحام الدول الأفريقية في ملف التهجير ليس جديدًا. بالنسبة للاحتلال، أفريقيا تمثل:
- بُعد جغرافي بعيد عن فلسطين والشرق الأوسط.
- هشاشة اقتصادية وسياسية يمكن استغلالها لإبرام اتفاقيات سرية.
- مساحة يُراد استخدامها لإسقاط حق العودة عبر التوطين.
لكن معظم هذه الدول، في الواقع، لا ترغب في تحمل عبء سياسي وإنساني بهذا الحجم.
الأبعاد السياسية والاستراتيجية
التهجير يُستخدم كورقة ضغط لتصفية القضية الفلسطينية. الحديث عن «الهجرة الطوعية» يُقدَّم كخيار إنساني، لكنه عمليًا شكل من أشكال التهجير القسري المحظور دوليًا. مصر بدورها أعلنت مرارًا رفضها أي مشروع لتوطين الفلسطينيين في سيناء، مؤكدة أن القضية الفلسطينية مكانها فلسطين فقط.
الأصوات الفلسطينية: «لن نكرر النكبة»
بينما تدور هذه النقاشات في الغرف المغلقة، يعيش الفلسطينيون في غزة تحت شبح نكبة جديدة. شهادات من طلاب وأسر نازحة عبرت عن رفض قاطع لأي تهجير:
«نحن باقون هنا، حتى لو قُصف كل شيء. لن نكون لاجئين مرة ثانية».
البقاء أصبح بالنسبة للغزيين مقاومة بحد ذاتها، ورسالة سياسية بوجه كل مخططات الترحيل.
الحديث عن «بوروندي شمال أفريقيا» مثال حي على كيف تُستخدم الشائعات لتخويف الفلسطينيين. ورغم وجود محاولات حقيقية للتواصل مع دول أفريقية، إلا أن التهجير من غزة يظل مشروعًا قديمًا لم ينجح حتى اليوم، تصطدم كل محاولاته بجدار من الرفض الشعبي والسياسي.
شبكة أضواء – قسم التحقيقات