وجهة نظر :
بين الرتّاء.. والصواج مناسبة
زهير سالم*
الرتاء ويقابله في العربية "الرفّاء"
الرتّاء هو الرجل الذي يباشر لنا عملية إصلاح ثوب جديد أو جميل أو عزيز على نفوسنا، أصابه خرق أو شق في مكان ما، ونحن لا نريد أن نتخلى عنه، أو أن نرقعه، وإنما نريد حسب الدارجة، أن نرتيه، وحسب الفصيحة أن نرفوه.. أي أن نعيد لحمته بطريقة لا تدركها عين الناظر.
الراتي أو الرفّاء يستل خيوطا من نسيج الثوب نفسه، يعيد بها لحمة الخرق، بعيدا عن الرقعة المشينة. بل أن العرب برهافة حسها ترى أحيانا أن الخرق الكبير لم يعد يرقع فتطلق مثلها: اتسع الخرق على الرقع..
المزق الصغير، نسميه بالعامية- القفل والمفتاح- يمكن أن يُرتى، أو يرفوه الرفّاء، ولكن الخرق عندما يتسع، ويذهب قفله، ربما يستعصي على الرقع أيضا..
والعرب الأماجد أصحاب الذوق اللغوي المتقدم، تصوروا بحسهم العالي أن عملية الزواج هي أشبه بعملية الرفو..تجمع رأسين كل منهما قادم من أسرة وتربية وطريقة في الحياة على وسادة واحدة، يتنفسان معا!!
قال العرب في الدعاء للعروسين: "بالرفاء والبنين" والرفاء انسجام خفي بين مختلفين، لا يظهر الخُلف فيه!!
وهذا الدعاء تجاوزه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء للعروسين "بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما على خير"
تصدر الأخطاء عنا نحن البشر فيكون خطؤنا أحيانا مثل ذاك المزق الصغير الذي يتجاوزه الرتاء..وقد يكون خرقا يتناوله الراقع فيرفعه، وقد يكون طعجة كما يحدث عندما تقبّل سيارة سيارة في عرض الطريق فيقولون هي بحاجة إلى تصويج، أيام حلب كنا نقول لصاحب السيارة المجني عليها: بوجهه إلى كربيت في حي الميدان..
أنشأت كل هذا السرد لأذكر بحال إخوة لنا على الطريق، ما زالوا منذ خمسين عاما عاكفين على آبار النفط وهم يتلفعون بلفعة المجاهدين الثوار المعارضين حملة اللواء أباة الضيم المدافعين عن الدين والعرض…
وكلما ذكرنا بين يدي الصيف بحرق الخيام، أو بين يدي الشتاء بلسع الزمهرير، يردون علينا : على مهل.. على مهل لسه بكير شو صاير شو صاير..!!
منذ أربعين سنة أكتب عن هذه الشريحة من الناس: وكل من فيها مغترف.. يبتغي لوادييه ثالثا أو لثالثه رابعا، تحت عنوان مجاهد وثائر ومعارض يقود ركب العراة الحفاة الجائعين…
في المثل الحلبي، يقول المتلمظ للمستضعف: مدوا..
فيجيبه المسكين: الذي يأكل العصي ليس مثل الذي يعدهم…
اليوم شعرت بالبرد فأخرجت من خزانة ثيابي ما يقيني.. ولو اشتد لضغطت زر التدفئة فدفئت..
وهذا لا يمنعني ببعض الإحساس: وماذا سيفعل أطفال المخيمات بين يدي موسم الزمهرير؟؟ وأيلول كما قد علمنا ذنبه مبلول…
وكل آت قريب…
لندن: 19/ ربيع الأول/ 1447
14/ 9/ 2025