سياسة التجويع كسلاح بيد الاحتلال في ظل صمت عربي ودولي صاخب
بقلم: رئيس التحرير
لم يعد القتل وحده هو السلاح الأكثر فتكًا بيد الاحتلال الإسرائيلي، بل إنّ التجويع المنهجي بات أحد أبرز أدواته، يُستخدم بلا تردد لكسر صمود الإنسان الفلسطيني وتدمير بنيته النفسية والاجتماعية. في واقع مأساوي باتت فيه الحياة اليومية للفلسطينيين محكومة بسياسات قمعية تتنوع ما بين الحصار والحرمان والمنع والابتزاز، تتكرّس سياسة التجويع كأداة إبادة جماعية ناعمة، مغطاة بذرائع أمنية ودعائية، لكنها في حقيقتها سلاح لا يقل وحشية عن القنابل والرصاص.
غزة تحت الحصار... الجوع بدل الرصاص
غزة اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة، بل مسرح حيّ لتجربة قاسية تُنفذ على شعب أعزل، حيث حُوِّل الجوع إلى معركة موازية للعدوان العسكري. أكثر من مليوني إنسان يعيشون في حالة حرمان مزمن من الغذاء والماء والدواء. ومنذ أكتوبر 2023، بلغ التضييق مستوى غير مسبوق: تدمير سلاسل الإمداد، منع دخول المواد الأساسية، وتعطيل المشافي.
الجوع في غزة لم يكن عرضيًا، بل هو مشروع سياسي مبرمج، تُراد به السيطرة الكاملة عبر الضغط على الاحتياجات الإنسانية الأساسية. إنه جريمة حرب مكتملة الأركان، تُخرق بها كافة المواثيق الدولية وعلى رأسها اتفاقيات جنيف.
صمت عربي مدوٍّ ومجتمع دولي مشلول
في مواجهة هذا الواقع، لا تزال الأنظمة العربية تمارس طقوس الإدانة الموسمية، تكتفي بالخطب الجوفاء، وتخشى اتخاذ موقف عملي، خشية أن "تغضب الحليف". أما المجتمع الدولي، وبالأخص القوى الغربية، فهو يلبس عباءة الحياد المزيّف، بل ويواصل تسليح الاحتلال وتبرير ممارساته.
الصمت هنا ليس فقط تواطؤاً، بل مشاركة فاعلة في الجريمة. إن ترك الفلسطينيين يتضورون جوعًا أمام أعين العالم هو سقوط أخلاقي فاضح للأسرة الدولية.
تداعيات التجويع... تدمير مجتمع بأكمله
سياسة التجويع لا تستهدف المعدة فقط، بل تفتك بالأمل، وتحوّل الناس إلى مشاريع غضب مكتوم. إنها تقتل التعليم، وتغلق أبواب الرعاية الصحية، وتُضعف الأسرة، وتدمر الاقتصاد، وتخلق بيئة خصبة للتطرف والفوضى.
هنا، لا يعود الصراع مجرد خلاف سياسي، بل يصبح صراع وجود. فالاحتلال لا يريد فقط الأرض، بل يسعى لسحق الإنسان، وكسر روحه.
بوادر تغيير دولي.. ولكن متأخرة
مؤخراً، بدأت ملامح تحول خجول في بعض العواصم الغربية. رأينا تصريحات فرنسية وبريطانية تشير إلى أن حل الدولتين لم يعد خياراً، بل ضرورة لاستقرار المنطقة. لكن هذا الوعي لا يزال في طور التشكيل، ولا يمكن أن يُعوَّل عليه ما لم يُترجم إلى إجراءات حقيقية ضد الاحتلال ومحاسبته.
رسالة إلى الضمير العالمي
أمام هذا المشهد، نقولها بوضوح: التجويع سلاح دنيء لا يقل خطورة عن القنابل الذكية. وعلى الشعوب الحية في هذا العالم أن تتحرك. الكلمة الحرة، التظاهر، الضغط على الحكومات، الدعم المباشر للمؤسسات الإنسانية، كل ذلك لم يعد ترفاً، بل فرض أخلاقي لا بد منه.
إن التجويع جريمة ضد الإنسانية، لا يُمكن التهاون معها، ولا ينبغي أن تمر دون عقاب.