شُكْرًا رَيان ، حَاوَلت اِنْقَاذَنَا . . . . . .
لَا أَعْرِفُ كَيْفَ أَكْتُبُ التَّأْبِين ، حِينَ يَكُونُ الفَقيد مَلَاكًا صَغِيرًا اسْمُه الطِّفْل رَيّان .
الطِّفْل رَيّان رَحَل بَعْدَ خَمْسِ سَنَوَاتٍ فَقَط ، خَمْسُ سَنَوَاتٍ قَضَاهَا بَيْنَ أَهْلِهِ وَ مَشَاغِلِهِ الصَّغِيرَة و اللَّذِيذَة الَّتِي لَا يُجِيدُهَا سِوَى الْأَطْفَال أَمْثَالَه .
رَيان لَمْ يَتَوَاطَآ أَبَدًا مَعَ وَساخَة عَالَمِ الْكِبَار و نِفَاقِه .
لَمْ يَلِجْ سِبَاقَ الرَّاشِدِين الْمَحْمُوم و السَّخِيف لِنَيْل مَنْصِبٍ أَوْ حِيَازَةٍ مَالٍ أَوْ عَقَارٍ .
عَاش فَقَط لِكَي يُجَرِّب دَهْشَة مُشَاهَدَة الْفَرَاشَات و هِي تتراقص فَوْق الزُّهُور .
عَاش ليلعب و يَرْكُض و يَنَامَ فِي حُضْنِ أُمِّهِ بَعْدَ أَنْ يُقَبِّلَهَا و يُزِيح عَنْهَا تَعَبَ الْحَيَاة .
عَاش مُكْتَفِيًا بِفِرَاش الْأَرْضِ وَ هَوَاء الْعَالِم و هُوَ يُفَكِّرُ فِي أَشْيَاءَ طُفُولِيَّة رَائِعَة مِثْل جَوْلَةٍ بَيْن الحُقُول أَوْ كِسْرَهِ خُبْزٍ سَاخِن يَتَقَاسَمُه مَع صَدِيق صَغِيرٍ آخَرَ .
لَمْ يَصْنَعْ الوعود و لَمْ يَخْلِفْهَا أَيْضًا .
لَم ينافق أَحَدًا أَبَدًا ، كَانَ يَبْكِي حِين يَحْزَن و يَضْحَك عَالِيًا حِين يَفْرَح .
بِبَساطَة ، اِمْتَلَك مِثْل غَيْرِهِ مِنَ الْأَطْفَالِ سِرَّ السَّعَادَة و نَقَاء الْقَلْب و عَاش جَمِيلًا ، مَهْمَا كَانَ عُمْرُهُ قَصِيرٌ جداً .
فَجْأَة ، حَلّ بِالطِّفْل رَيان قَدَرٌ لَا مَفَرَّ مِنْه ، صَغُرَ الْعَالَم حَوْلَهُ حَتَّى صَارَ نفقا مُظْلِمًا فِي جَوْفِ الأَرْضِ ، بَارِدٌ و مُخِيفٌ و قَاتَلٌ .
ضَمِير الْكِبَار المتخم بِأخْبَار الْمَوْتِ وَ الْحُرُوب و الْمَجَاعَة مَاتَ مُنْذُ عُقودٍ ، و رُبَّمَا مُنْذُ بِدَايَةِ مشَاعَةِ صُوَر الْمَأسَاة فِي التلفزيون ، حَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْمَرْء الْكَعْك الْمُحَلَّى و الشَّاي السَّاخِن بَيْنَمَا يَنْظُر ببلاهة إلَى أَشْلَاء الْأَطْفَال و النَّاسُ فِي الْعِرَاق ، فِي الْيَمَن أَوْ فِي بُقَعٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمَعْمُور ، دُونَ أَنْ تَتَحَرَّك فِيهِ شَعْرَهُ تَضَامُنٌ أَوْ حُزْنٍ .
أَجْل ، طَبَّعَ الْإِنْسَان مَعَ الدَّمَار و الْخَرَاب و اَلَامِ بَنِي جِلْدَتِه ، بَلْ وَ حَوَّل جَهِيِمَ الْآخَرِين إلَى مُؤْنِس و إلَى مَادَّةٍ للالهاء الرَّخِيص يَتَنَاوَلُهَا يَوْمِيًّا مُحَلِّلُون بِالْكَلَام الْمُرَصَّع و الْبَلِيغ .
رَيان الصَّغِير أُحْرَجَ الْعَالَم الكبير.
كَيْف كُنَّا سننام تِلْكَ اللَّيْلَة الرَّهِيبَة الْأُولَى ، و فِي الْخَبَرِ الْيَقِين طِفْلٌ فِي الْخَامِسَةِ يَرْتَعِد خَوْفًا و هَلَعًا دَاخِلِ ثُقْبٍ سَحيقٍ لَا مَاءَ فِيهِ ، و لَا طَعَامَ ؟
مَاذَا لَوْ كَانَتْ كُلُّ صَنَائِع الْبَشَر لَا جَدْوَى مِنْهَا أمَامَ هَوْلِ مَا كَانَ يَجْرِي فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لَا يَعْرِفُهَا أَحَدٌ ؟
اسْتَطَاعَت الْبَشَرِيَّة أَن تخطو فَوْق الْقَمَر ، أَنْ تَبْنِيَ ناطحات السَّحَاب ، أَن تَرَوَّض الْأسود و تُعْلِن نَفْسَهَا سَيِّدِة الْكَوْن بِلَا مُنَازِعٍ .
اسْتَطَاع طِفْل الْخَمْس سَنَوَات أَن يَتَحَدَّى كُلّ الْبَشَرِيَّة ، الْمَشْغُولَة بِسِعْر صَرْف الدولار و نِسبَة التَّضَخُّم و مباريات كُرَة الْقَدَم ، و هُمُوم نُجُوم الْغِنَاء و الْفَنِّ و السِّيَاسَة و الْأَدَب . أَوْقَف كُلَّ هَذَا الضجيج لِيَسْأَل دُون كَلِمَات :
مَاذَا كَانَ الْعَالَمُ سَيَفْعَل فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ الْفَارِقَة مِنْ أَجْلِي أَنَا ؟
هَرَع الصادقون ، و هُم كثُر ، لِإِخْرَاج الْمَلَاك و إعَادَتِهِ إلَى دُنْيَاهُ الصَّغِيرَة ، الْوَدِيعَة ، و الْبَسِيطَة .
خَمْسَةُ أَيَّامٍ مِنْ المحاولات و مِنْ الْغُبَارِ ، و مِن اللَّغَط وَمَن الْأَمَل .
خَمْسَةُ أَيَّامٍ ، اسْتَطَاع خِلَالِهَا رَيان أَن ينتشل الْعَالَمَ مِنْ نَفَق اللاَّمُبالاَة الرهيب ، و أَنْ يَنْتَزِع دُمُوعًا كَثِيرَةً تَحَجَّرَت و فَقَد أَصْحَابهَا حِسَّ الْإِنْسَانِيَّة مند زَمَنٍ بَعِيدٍ .
فِي النِّهَايَةِ ، قَرَّرْت الْعِنَايَة الْإِلَهِيَّة أَنَّ مَكَانَ الْمَلَاك هُوَ فِي جَنَّةِ أَرْفَعَ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا ، بَعْدَ أَنْ نَفَّذَ هَذَا البَطَل مُعْجِزَة كَبِيرَة .
الطِّفْل رَيان أَيْقَظ الْعَالَم .
لَا مَكَانَ للتأبين و لَا للرثاء إذْن ، وَجَبَ عَلَى الْعَالِمِ أَجْمَع أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ حَيْثُ السَّمَاءَ وَ حَيْث رَيان و مَعَهُ كُلُّ الأطْفالِ ضَحَايَا الْحَرْب و العُنْف و أَنَانِيَّة الرَّاشِدِين ، و أَن يَصْرُخ بِكُلّ قُوَّة :
شُكْرًا رَيان ، حَاوَلت انقاذنا . . . . . . .
لأننا نؤمن بالحياة.. نحن هنا
في شبكة أضواء الإخبارية، ندرك أن الخبر ليس مجرد حروف، بل هو نبضٌ وإنسان. من قلب التحدي في غزة، نسعى لصناعة غدٍ مشرق يمتد ضياؤه إلى العالم أجمع. رسالتنا هي بث الأمل ونشر الحقيقة، لنرسم معاً ملامح فجرٍ جديد يليق بطموحاتنا العظيمة.