أخر الاخبار

كتبت نوال سعداوي تصف كابوس تعرضها للختان وهي طفلة: "كنت في السادسة من عمري، نائمة في سريري الدافئ

 كتبت نوال سعداوي تصف كابوس تعرضها للختان وهي طفلة:


"كنت في السادسة من عمري، نائمة في سريري الدافئ، حينما  أحسست َ بتلك اليد الباردة الخشنة الكبيرة ذات الأظافر القذرة السوداء تمتد وتُمسكني، ويد ُّ أخرى تسد فمي وتُطبق عليه بكل قوة لتمنعني من الصراخ، وحملوني إلى الحمام، لا أدري كم كان عددهم، ولا أذكر ماذا كان شكل وجوههم، وما إذا كانوا رجالا أم نساءً؛ فقد أصبحت الدنيا أمام عيني مغلقة بضباب أسود، ولعلهم أيضا وضعوا فوق عيني غطاء، كل ما أدركته في ذلك الوقت تلك القبضة الحديدية التي أمسكت رأسي وذراعي وساقي حتى أصبحت ً عاجزة عن المقاومة أو الحركة، وملمس بلاط الحمام البارد تحت جسدي العاري، وأصوات مجهولة وهمهمات يَتخللها صوت اصطكاك شيء معدني، ذكرني باصطكاك سكين الجزار حين كان يسنُّه أمامنا قبل ذبح خروف العيد. 


وتجمد الدم في عروقي، ظننت أن عددا من اللصوص سرقوني من سريري ويتأهبون لذبحي، وكنت أسمع كثيرًا من هذه القصص من جدتي الريفية العجوز. 

وأرهفت أذني لصوت الاصطكاك المعدني، وما إن توقف حتى توقف قلبي بين ضلوعي، وأحسست وأنا مكتومة الأنفاس ومغلقة العينين أن ذلك الشيء يقترب مني، لا يقترب من عنقي وإنما يقترب من بطني، من مكان بين فخذي، وأدركت في تلك اللحظة أن فخذيُ قد فتحتا عن آخرهما، وأن كل فخذ قد شدت بعيدا عن الأخرى بأصابع حديدية لا تلين، وكأنما السكين أو الموسى الحاد يسقط على عنقي بالضبط، أحسست بالشيء المعدني يَسقط بحدة وقوة ويَقطع ما بين فخذي، جزءًا من جسدي. 


صرخت ً من الألم رغم الكمامة فوق فمي؛ فالألم لم يكن ألما، وإنما هي نار سرت في جسدي كله، وبركة حمراء من دمي تحوطني فوق بلاط الحمام، لم أعرف ما الذي قطعوه مني، ولم أحاول أن أسأل. 


كنت أبكي وأنادي على أمي لتنقذني، وكم كانت صدمتي حين وجدتها هي بلحمها ودمها واقفة مع هؤلاء الغرباء، تتحدث معهم وتَبتسم لهم وكأنما لم يَذبحوا ابنتها منذ لحظات. 



وحملوني إلى السرير، ورأيتُهم يُمسكون أختي التي كانت تصغرني بعامين بالطريقة نفسها، فصرخت ُ وأنا أقول لهم: لا. لا … ورأيت وجه أختي من بين أيديهم الخشنة الكبيرة، كان شاحبًا أبيض كوجوه الموتى، والتقت عيني بعينيها في لحظة سريعة قبل أن يأخذوها إلى الحمام، وكأنما أدركنا معا في تلك اللحظة المأساة؛ مأساة أننا خلقنا من ذلك الجنس، جنس الإناث، الذي يُحدد مصيرنا البائس، ويسوقنا بيد حديدية باردة إلى حيث يُستأصل من جسدنا بعض الأجزاء.


نوال سعداوي، الوجه العاري للمرأة العربية.


#نسويات_فلسطينيات


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-