الفَشل الجميل
اليوم هو عيد الميلاد ال22 لهذه "القُصاصة"؛ في 23 نوفمبر 1998 وزعنا على الصحفيين المحليين والأجانب هذه البطاقة التي يُسمح بموجبها للصحفيين المحليين والأجانب بالوصول لمطار غزة الدولي وتغطية الافتتاح وأولى الرحلات. في 24 نوفمبر أقلعت طائرة إلى مصر وحطّت طائرات، مختلفة الأحجام والأشكال والألوان، من الدول الصديقة المؤازرة، حملت على متونها شخصيات سياسية وفنية من أصقاع البسيطة استقبلهم حينها الرئيس ياسر عرفات.
كان علينا كموظفين- حينها- في الهيئة العامة للاستعلامات ضبط وتنظيم حركة الصحفيين لكننا "فشلنا". تحركنا من معبر بيت حانون، وآخرين تحركوا من مناطق أخرى بعد أن حجزوا كل الفنادق، باتجاه المطار، بقيت الحركة منضبطة وانسيابية، وصلنا بالحافلات إلى البوابة الرئيسة، خضع الصحفيون للتفتيش "الدقيق"، المئات من المواطنين الفرحين- غالبيتهم من محافظة رفح- تجمعوا قرب البوابة في تلهّف للدخول.
بقي الحال قمة في التنظيم والدقة. لكن بعد هبوط أول طائرة انفجر الفرح بين المتواجدين، وتشكلت أكوام عفوية من الدبكة الشعبية وحلقات الرقص، صحفيون ومواطنون وجنود وضباط شرطة، ببزاتهم العسكرية مختلفة الألوان، صحفيون- وأولهم أنا- انشغلوا في الفرح عن تنفيذ مهامهم. أحدهم "لوّيح" بكابل الكاميرا وغيره يرفح "المايك" لأعلى وهو يرقص. واكتسح مئات المواطنين بوابة المطار ودخلوا رغما عن الأمن الذي غض الطرف، فرِحا، عن "تسللهم".
كنا معنيين بتغطية واسعة وتصدير أكبر عدد من الصور كما ونوعا، لكن كانت الكلمة العليا للأمن، فهو من يحدد المساحات. بعض الصحفيين انسل محاولا التسلل لقاعة VIP وبعضهم التفت إلى تجمع نسوي رُفعت فيه صور الأسرى، وغيرهم تقافزوا من فوق الحواجز الفاصلة في محاولة لالتقاط صور "حصرية"، فطاردهم الأمن. وبعض الصحفيين طاردوا رجال الشرطة الذين كانوا يمنعوا، بكل صرامة، اقتراب أي مواطن من مدرج الطائرات أو المنشآت.
كان العبء الحقيقي على الأمن، كانت المهمة أكبر منا كصحفيين ومنظّمين جُدُد، نحن"فشلنا"، كان فشلا جميلا.
كل عام والبطاقة بخير هي ومن أصدرها ومن طبعها ومن مهَرها ومن وزعها ولمن بنى المطار. كلهم كانوا رجالا يبنون ويثبتون أركان دولة وهوية وليس تثبيت كيان هلامي مجهول الهوية.