أخر الاخبار

أين يذهب اليأس بالفلسطينيين؟ أين يذهب اليأس بالفلسطينيين؟ خالد جمعة

 أين يذهب اليأس بالفلسطينيين؟

كان اليهودي شمشون أول انتحاري في التاريخ، حين صرخ صرخته الشهيرة "عليَّ وعلى أعدائي"، فقد وصل إلى مرحلة اليأس في قصته مع دليلة الفلسطينية، فقام بهدم المعبد على نفسه وعلى "أعدائه الفلسطينيين".

ما الذي يملكه الفلسطينيون اليوم كي يبنوا عليه الأمل في مستقبل ما، أي مستقبل، وإلى أين يقودهم الوضع الدولي والإقليمي والمحلي؟ إلى أية زاوية تدفعهم الأحداث في العالم والمنطقة؟ وإلى متى سيحتمل الفلسطيني الحياةَ قبل أن ينفجر في نفسه وفي أعدائه أياً كانت طبيعتهم؟

هناك مجموعة محددات لأي حياة، من ضمنها وعلى رأسها محددات اقتصادية واجتماعية وسياسية، ومن ينظر إلى الوضع الفلسطيني على هذه المستويات الثلاث، فما الذي سيراه؟ وما الذي يمكن استنباطه مما يحدث؟

على المستوى الاقتصادي، هناك وهم فلسطيني، فعدا عما تقدمه الأمم المتحدة التي أخذت مواردها في النضوب، وبدأت هي بالشكوى، فالشعب الفلسطيني بنسبة كبيرة يعيش على المعونات القادمة من الخارج، وهناك نسبة هائلة من الموظفين الذين لا يفعلون شيئاً ويتلقون الرواتب، ونسبة أكبر ربما يعملون في الأجهزة الأمنية والعسكرية، هناك بطالة هائلة وفقر مدقع، ولا توجد عملية إنتاجية بمعنى الكلمة، وحتى تلك المصانع القليلة الفقيرة التي أنشئت في الأراضي الفلسطينية فهي تعتمد بشكل أساسي على المواد الخام القادمة من إسرائيل، وهذا يجعل أي مصنع معرض للإغلاق في أية لحظة، هذا عدا عن قلة وعدم احترافية هذه المشاريع، ولا يوجد عندي رقم محدد للعمالة التي يشغلها القطاع الصناعي، لكني على ثقة أنه رقم لا يذكر.

أما القطاع الزراعي فقد تم ضربه منذ زمن طويل، فلم تعد غزة "مثلا" تملك بيارات البرتقال والزيتون التي كنا نعرفها صغاراً، فهي قد ضاعت بين ثلاثة أفعال، التجريف الإسرائيلي في الاجتياحات المتكررة من جهة، وقطع الأشجار لتحويل الأراضي إلى مناطق للسكن من جهة ثانية، أو قطع الأشجار المعمرة وزراعة الأرض بمزروعات ذات نتاج سريع مثل الطماطم والخيار والباذنجان من جهة ثالثة، ووسط انسداد أفق التصدير فقد تم ضرب هذا القطاع من الاقتصاد الفلسطيني، والذي أصلاً كان يعتمد على إسرائيل في استيراد الشتلات والمبيدات والأسمدة، ولا حاجة لذكر قطاع الصيد الذي يقيده الإسرائيليون بزوارقهم الحربية، ووقف تصدير مليون ونصف زهرة شهريا من قطاع غزة إلى أوروبا.

على المستوى الاجتماعي، هناك تضارب في القيم الاجتماعية، الأخلاقية على وجه الخصوص، فلم تعد هناك ضوابط في المجتمع الفلسطيني، والقانون يمكن الإفلات منه في حالات كثيرة منها مثلا إذا كنت "مناضلاً" حيث لا يجب المس بالمناضلين، أو تكون على علاقة مع مسؤول هنا أو هناك، وحالات أخرى كثيرة، وبلاد يمكن النفاذ من قانونها الذي يحتاج أصلاً إلى سلطة قوية تحميه، لا تعد بلاداً، عدا عن كونها ليست بلاداً بالمعنى القانوني للكلمة، وأضف إلى ذلك التحكم في ممارسات البشر على كثير من المستويات، تصل إلى حد التحكم الشخصي أحياناً فلا تعود تعرف الحد الذي يفصل القانون عن عدم إعجاب شخص بأفعالك أو حتى بشكلك وطول شعرك أحياناً، هناك "طاسة ضايعة" هذا الإطار بحيث لا يمكننا التمييز بين ما هو مسموح وما هو ممنوع، وحين يخضع المعيار الاجتماعي للمزاج الشخصي، فلكم أن تتصوروا إلى أية هاوية نحن ذاهبون.

المستوى الثالث هو المستوى السياسي، والذي هو مسدود بامتياز، فهو مسدود من بعد ثورة 1936، حين تسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية في قمع وإيقاف الثورة، وبقيت الحالة الفلسطينية حبيسة الأغاني والشعارات حتى جاءت انتفاضة 1987 والتي انتهت بتوقيع أوسلو الذي خيب ظن الفلسطينيين بما فيهم أولئك الذي وقعوا عليه، ومن يومها والقضية الفلسطينية بمعناها السياسي لا تذهب ولا تجيء، بينما تقوم إسرائيل بمصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وشن حملات إعلامية هائلة، وتفتت ما تبقى من تواصل بين كل بيت وبيت، بينما لا مشروع فلسطيني ينقذ أي شيء من أي شيء.

الحالة الثقافية وصلت إلى حد من التردي لا مثيل له، على الأخص بين جيل الشباب، فرغم أن نسبة التعليم في المجتمع الفلسطيني هي الأعلى عربياً، إلا أن المستوى الثقافي حدث ولا حرج، فعلى سبيل المثال لا الحصر يجيب مجموعة من الشباب على سؤال امرأة كانت تشعل شموعاً من أجل ذكرى أقربائها الذين قتلوا في مجزرة تل الزعتر، عما إذا كانوا يعرفون تل الزعتر، فأجابوا: نعم، إنه في جباليا، وما يوجد في جباليا هي منطقة سميت تل الزعتر بعد المذبحة لتشابه جغرافيتها مع جغرافية مخيم تل الزعتر الذي حدثت فيه المذبحة، ومثال آخر حين تم توجيه سؤال في تلفزيون فلسطين لمتسابق كي يذكر ثلاث مدن في قطاع غزة فلم يستطع، وشاعر يتهم مسؤول صفحة ثقافية في إحدى الصحف بأنه يمارس المحسوبية وبنشر لصديقه الشاعر "راشد حسين"، وراشد حسين توفي حرقاً في نيويورك منذ ما أربعة وأربعين عاماً، هذه أمثلة بسيطة عن الإجابات التي يمكن أن نتلقاها من الجيل الناشئ في فلسطين، الجيل الذي نعول عليه ليقوم بما لم تقم به الأجيال السابقة.

الحالة التعليمية أيضاً حدث عنها ولا حرج، فسوريا مثلاً لا تعتبر من دول الجوار حسب رأي إحدى المعلمات لأنها لا تحد الضفة الغربية ولا قطاع غزة، وجبرا إبراهيم جبرا هو كاتب عراقي، وغسان كنفاني لا يمكن العثور على رقم جواله لإجراء مقابلة معه ـ هذه حقيقة قسم كامل للإعلام في إحدى الجامعات الفلسطينية، والمسجد الأقصى هو المبنى ذو القبة المذهبة، ولم أجد معلماً واحداً يصحح المعلومة ليقول لطلابه إن المسجد الأقصى ليس هو مسجد قبة الصخرة، وألف خطأ آخر في الحياة التعليمية يتربى الأولاد عليها، لنصل في النهاية إلى جيل قادم تلقى على عاتقه مهام استمرار القضية الفلسطينية.

أين يمكن أن يذهب اليأس بالفلسطينيين؟ ماذا سيفعل الشباب في فلسطين في وقت انسد فيه الأفق السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أليست الظروف تعطي جرس إنذار للقيادات الفلسطينية التي تشكو لنا قبل أن نشكو لها؟ وإذا أجابت قيادة الأحزاب الفلسطينية بأنها لا تملك ما تفعله في ظل الظروف الراهنة، فلماذا تقبل على نفسها أن تبقى قيادة إلى هذا الوقت؟ لا أظن أن سؤالي بحاجة إلى إجابة.



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-