الحريات والأولويات
نايف جفال – القدس
تسعى جماهير شعبنا الفلسطيني ومن خلفها كافة الأحزاب والمؤسسات الوطنية والأهلية لتمتين واتساع مساحة الحريات العامة للمواطنين في كافة مناحي الحياة، من أجل إيجاد مجتمع صلب واعي ومثقف يعرف حقوقه وواجباته، يسخر كافة إمكانياته لمواجهة غطرسة المحتل ومخططاته الاحلالية الباحثة عن طمس الهوية الفلسطينية، وتذويب كل ما هو تقدمي من عادات وتقاليد فلسطينية، وأرث نضالي وثقافي متميز.
وفي ظل ما تعانيه فلسطين من انتكاسات متتالية تنهال على رأس المواطن الفلسطيني من تصاعد لمخططات الاحتلال التوسعية القمعية، وانخراط بعض الدول الرجعية العربية في حملات التطبيع العلني ، وتزايد عقبات الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، وضياع بوصلة النضال الوطني لافتقار القوى الوطنية الحية لبرنامج نضالي تصاعدي يوحدها لمواجهة كل ما هو متراكم من مؤامرات وحيل صهيوامريكية في زحام التطبيع والتوسع الصهيوني المدعوم من الإدارة الاميريكية.
أثقال وازنة على كتف المواطن الفلسطيني أفقدته القدرة على التمييز بفعل تجمد هيئاته التشريعية بفعل الانقسام، التي يفترض أن ترعى هموم المواطنين، وتحفظ أمنهم وسلامتهم من خلال إصدار قوانين تتماشى ومصالحهم ومصلحة الدولة، كل هذا أوجد تشتت وضياع للبوصلة في المواجهة، ففي حين نشاهد تظاهرات منددة بالمخططات الأمريكية أو داعمة للأسرى بمشاركة خجولة وملتزمة أواسط المدن ، وفي المقابل تخرج تظاهرات ضد قوانين حماية المرأة والأطفال أو حتى العمال، بمشاركة جماهيرية عارمة كأنها تسير بفعل الجاه والمال، وهنا لا أجرم أو اتهم جهة عن أخرى ، ولكن المقصود أن حرية الرأي والتعبير مكفولة بحكم القانون ومن المعيب على أي جهة كانت أن تقمع وتعتقل أو حتى تمارس أي شكل من إشكال العنف على أي خلاف بالرأي أو جماعة تحاول إيصال صوتها للشارع، ولكن هناك ما هو أهم في ظل تزاحم نكساتنا الفلسطينية، فمن المفترض أولا صهر كل أشكال الخلاف والتحلي بالروح الوطنية والتوحد على خطى نضالية وحدوية فاعلة ومؤثرة ضد ما يهدد الوجود الفلسطيني، يلي ذلك الضغط على الفصائل المتناحرة من اجل الوصول لانتخابات تشريعية ورئاسية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني ، للوصول لهيئات تشريعية وتنفيذية منتخبة تخدم الوطن والمواطن، وتنهي حالات التذمر وقصر النفس والتشتت النضالي.
خطى نضالية جماهيرية ضد الاحتلال يوازيها خطى نضالية لتصحيح المسار الفلسطيني، وفق أرضية وحدوية جامعة تتخلى عن سياسات التكفير أو التحقير أو الربط بأي جهة خارجية، بمعنى سياسات وطنية ونهج ثوري يتلاءم ومسيرة النضال الوطني، الذي يقدم في كل يوم شكل متجدد وعنفواني في الصمود والتحدي والنضال.
ففلسطين كبيرة برجالها ونسائها، بنضالها وتاريخها وعراقة مقدساتها الإسلامية والمسيحية، وبتنوعها المناخي والفصائلي والفكري، وإذا كان الكل يبحث عن الحاجة الخاصة وإنكار الآخر دون الالتفات للقواسم المشتركة، سنصبح غابة يعتاش على ضحاياها المحتل، ويسخر من فتاتها المطبعين الباحثين عن فرصة للشماتة والتخلي عن أنبل قضية على وجه الأرض.