مجلة أضواء العراق
مجلة أسبوعية تصدر من العراق إلى كل العالم تضم أهم النشاطات الأدبية والعلمية والثقافية لمختلف الشرائح بإشراف : مسؤول المجلة • الصحفي مصطفى الاسدي • و رئيس التحرير • نقاء محسن •
مجلة أضواء تخطف الأضواء في حوارٍ خاص مع الروائية العراقية حوراء النداوي
زهرة عراقية اسكندنافية متعددة الألوان ومختلفة الجذور تحمل قوميتين وتتماهى بتنوع الثقافات وتنطقُ بعدةِ ألسن، حتى يُخيَّل إليك إنَّك مع شخصية درامية من إبداعِ روائي يمتدُ سقفُ مخيلتهِ عالياً.
إنها الكاتبة والروائية حوراء النداوي.
حوار / سارة سامي
ولدت حوراء في بغداد عام ١٩٨٤ لأبوين عراقيين من قوميتين مختلفتين، العربية والكردية. وبسبب نشاط والدها السياسي تم سجن الأسرة بالكامل من قبل الحكومة العراقية أنذاك لتقضي حوراء أعوامها الأولى في السجون العراقية.
بعد أن يتم إصدار عفو عام عن الأحكام الخاصة يقرر والداها الهجرة فينتهي بهم المطاف في الدانمارك، تلك الجزيرة الاسكندنافية التي توِّج سُكانها لكونهم الشعب الاكثر سعادة في العالم.
طفلةٌ في السادسة من العمر تصل حوراء الى المملكة الدانماركية، حيث تحتضنها أشجار الصنوبر والتفاح البرِّي الذي يتساقط بسخاء على الأرصفة، لتتناسى شبح المطاردة وهاجس ظلمةِ السجون فتعيش بأمان وتتخذ من حورية البحر وبائعة الكبريت صديقاتٍ لها.
تقضي حوراء طفولتها وصِباها في المهجر، تدرس في المدارس الدانماركية ويحرص والداها على أن تتعلم العربية في المنزل، دون أن يتوقعا أنَّ جهودهما يوماً ستعود إليهما بأجمل هدية، فكم من الفخر لأبويها أن تصبح حوراء اليوم كاتبة؟
تصدر لحوراء النداوي روايتها الأولى "تحت سماء كوبنهاكن" عن دار الساقي عام ٢٠١٠ وترشح لقائمة البوكر الطويلة للرواية العربية. في هذه الرواية تتحدث الكاتبة عن علاقة الحب التي تنشأ بين مهاجرين من أصل عراقي وتتناول العديد من قضايا الاغتراب وترسم بلغتها الجميلة تأملات طفلة عراقية نشأت في المهجر.
تصدر للكاتبة روايتها الثانية "قسمت" في أواخر عام ٢٠١٧. تتناول الرواية قصة عائلة من الكرد الفيليين تفجع بإنتحار ابنتهم وأطفالها. وتمتد أحداث الرواية من خمسينيات القرن الماضي إلى عام ٢٠٠٩.
وبمناسبة صدور روايتها الجديدة كان لي مع الأستاذة حوراء النداوي هذا الحوار:
ـ أستاذة حوراء هل لكِ أن تحدثينا اكثر عن روايتك الجديدة وكم استغرقتِ لكتابتها؟ وهل أحداثها حقيقية؟
بدأت البذرة الأولى لقسمت مباشرة بعد الانتهاء من الرواية الأولى. ومنذ البداية عرفت إنَّ العمل سيتطلب مجهوداً كبيراً، فهو مبدئياً عمل تأريخي وكنت بحاجة للعديد من المصادر والمعلومات ولزيارة بعض الأمكنة بنفسي، وقد حصل. الروايات بالعادة تتقاسم الواقع والخيال بنسب تعلو وتهبط حسب الأحداث والشخصيات الملهمة. والواقع ملهم بطبيعة الحال لكن عالم الرواية وسحره يأتي من الخيال فهو ينشأ ويترعرع هناك ثم يعود الينا على شكل رواية.
ـ يقالُ أننا نكتب كي نشفى من جراحٍ تأبى أن تندمل، فهل كتبتِ روايتكِ قسمت كي تطيب جروحٌ أردتِ الشفاء منها، سيما أن لك جذوراً كردية فيلية؟
الموضوع بالنسبة لي هو الهمِّ العراقي الكبير، والدافع الأساسي للحديث عن الكرد الفيليين ليس شخصياً لأنهم جزء من هذه الأمة التي لم تُسرد حكاياتها وتفاصيلها كما ينبغي. التأريخ المقتطع من الذاكرة العراقية هائل، قرابة الخمسون عاماً مغيبة ثقافياً، فبين حروب الدكتاتور ثم الحصار ثم فوضى وتبعات ما بعد سقوط النظام السابق وفساد النظام الحالي ضاعت قصصنا. أشعر بمسؤولية تجاه هذه القصص التي لم تُروَ، ولا أنكر إنَّ إدراكي لها مؤلم وعلي التخفف من هذا الحمل بالكتابة، فكانت الرواية!
ـ أثيرت في الفترة الأخيرة ضجة على صفحتكِ في الفيسبوك حول تلميحاتٍ من روائي عراقي يُشكك فيها بمدى مصداقيتك ويتهمك دون ذكر اسماء أنكِ لم تكتبي روايتك بنفسك.
لماذا اختارت حوراء النداوي الرَّد عليه علناً و ذكر إسمه؟ ألا ترين إنك تساعدينه على الشهرة، فقد قيل لولا علي لما عرف
إبنُ ملجم؟
- هذه القصة ليست جديدة. نال سمعي منذ سنة ٢٠١١ ان أحدهم يدّعي انه على معرفة شخصية بي وانني قد اشتريت رواية تحت سماء كوبنهاغن بنقود دفعتها الى كاتب ما ليكتبها لي، ثم رأيت هذا الشخص، بنفسي يكتب ضدي على صفحات الفيسبوك مردداً قصته المختلقة، وبما انه يسكن الدنمارك ويلتقي هناك بكُتّاب في كوبنهاغن فقد أشاع بينهم تلك القصة لذلك كان سهلاً ان اكتشف من أين أتى الروائي الآخر (يسكن الدنمارك) بمنشوره حيث ادعى هو ايضاً انني اشتريت روايتي الثانية ولمح ان يكون الروائي أحمد سعداوي هو من كتبها لي كلا الرجلين لهما روايات منشورة لكن غير معروفة عن مدينة كوبهاغن تحديداً وكلامهما يفضلان ان يصدقا انني كما يدعيان إذ يبدو ان كذبة كتلك ستجلب لهما السكينة والرضا على ما أظن. في الواقع انني على مدى تلك السنوات التي حاولا فيها نشر ادعاءاتهما الكاذبة لم أرد، فقصتهما سخيفة جداً لكن منشور الأخير كان مستفزاً هذه المرة فرددت عليهما وذكرت اسميهما ببساطة لأنني صاحبة الحجة، وكانت هذه المرة الأولى التي أذكرهما فيها وستكون الأخيرة لأنهما لا يستحقان أكثر من وقتي. وبالمناسبة عرفت من أصدقاء انهما معاً قد أجريا اتصالات يؤكدان فيها انهما لم يقصداني في محاولةٍ للتنصل، رغم ان وكعادته منذ سبع سنوات، قد فتح بعد ذلك مباشرة، حساباً وهمياً على موقع الفيسبوك يكيل فيه بشتائمه لي ولأسرتي، ويردد ادعائاته
ذاتها مضيفاً اليها غيرها. فلك ان تتخيلي حجم المأساة التي يعانيان منها.
-الدانمارك ذلك البلد الصغير الذي رغم صغره كبير بعطاءه و رغم برودة مناخه دافئ بأحضانه لأغلب من يقصده. ماذا تعني الدانمارك لحوراء النداوي؟ و هل تحنُّ كاتبتنا إلى مرابعٍ قد نشأت فيها وتشتاقُ لفطائر القرفة وتمثال عروس البحر؟
-كنت في السابعة حين وصلت الى مدينة كوبنهاغن تحديداً، حيث قضيت فترة طويلة من حياتي كانت هي الأهم ربما لأنها تحمل ذكريات الطفولة والمراهقة ومطلع الشباب. حنيني الى الدنمارك تُرجم عبر رواية ”تحت سماء كوبنهاغن“ لأنني كتبت معظمها بعد مغادرتي البلاد واستقراري في مدينة لندن، ولذلك حملت الرواية النوستالجيا الهائلة التي كانت بداخلي ربما دون ان أتعمد ذلك. أشرتِ بذكاء لفطائر القرفة وعروس البحر. كوبنهاغن لها بالفعل رائحة القرفة لا سيما في أوقات أعياد الميلاد وهذه الرائحة الزكية تعيدني بالفعل الى طفولتي تلقائياً كلما صادفتني، أما عروس البحر فهي واحدة من مخلوقات هانس كريستيان أندرسن، أحد أهم من شكل خيالي الطفولي آنذاك بالإضافة لأستريد لندغرين مثل أي طفل سكندنافي أصيل. ورغم السنوات العديدة التي فصلتني عن الدنمارك إلا انني ما زلت أشعر بكل التفاصيل الدنماركية العزيزة التي صنعتني، فشخصيتي وثقافتي فيهما الكثير من ذلك البلد الأثير جداً الى قلبي.
-هل لديكِ زيارة قريبة؟
-ليس لي نية بزيارة قريبة، بسبب الإنشغال. لكن متى ما سنحت لي فرصة فسأزورها بكل سرور.
-برأيك ما هي مقومات الرواية الناجحة؟
أعتبر نفسي قارئة قبل ان أكون كاتبة، وبالعادة لا أميل الى تتبع الأخطاء التي قد تودي بعمل روائي الى الفشل. فالرواية هي عمل حرفي من صنع خالق بشري قابل للسهو أو الخطأ، وبالتالي فحتى الأعمال العظيمة والمُحكمة الصنع قد توجد فيها هفوات. لكن شخصياً تزعجني الأخطاء التقنية والفنية الجليّة التي لا يمكن التغاضي عنها، كما أنني لا أتقبل اللغة الضعيفة أو الركيكة عدى عن ذلك أتفاعل مع الأعمال البسيطة والمعقدة على حدٍ سواء. هذا مع الأخذ بعين الإعتبار عامل مهم وهو ذائقة القارئ، فهو أمر لا يمكن للكاتب التحكم فيه مهما كان عمله ممتازاً.
-من هو مثلك الأعلى و هل هناك شخصية معينة أثرت على مسيرتك الادبية؟
كثيراً ما أُسأل هذا السؤال بالعادة أجيب ان ما من شخص بعينه قد أثرّ فيّ. والحقيقة انني حين أستعرض المراحل أجد بأني قد تأثرت بأشياء وقراءات عدة، جعلتني أميل الى الكتابة باللغة العربية على حساب ثقافتي الغربية مثلاً. كنتُ أحفظ قصائد مطولة للمتنبي منذ صغري، و أكملت قراءة الأعمال الكاملة للمنفلوطي في الثانية عشرة، هذا بالإضافة الى حفظي لأجزاء من القرآن وبضع من السور الطويلة. أظن ان هذه المرحلة بالذات هي الحجر الأساس لما تبع، ورسّخت ذلك الشغف باللغة العربية الذي لازمني. اللغة هي الأساس وكل ما يدور في فلكها كان تابعاً لها فيما بعد سواء كتابة أو قراءة.
- الى أيِّ مدرسةٍ روائية تنتمي حوراء النداوي حسبما توحي رواياتها؟
-لا أحبذ وضع نفسي في خانةٍ ما، بما أني لا أعلم ما قد يأتي به الغيب. فإذا قلت بانني أكتب الأدب الواقعي، فهذا لا يعني أبداً انني سأحصِّن نفسي من أدب الخيال العلمي مثلاً. لا أعلم ما شكل النيّات المستقبلية التي قد تأخذني الى طرق مختلفة و وعرة في عالم الأدب! لا أستبعد شيئاًً.
-كيف تتناول حوراء النداوي الاحداث؟ بأي طريقة؟ هل بطريقة السرد ام الحوار. كما في المسرح؟
ـ الرواية هي التي تتخذ مسارها سواء نحو الحوار أم السرد. أتبع حدسي والإنثيال الأول غالباً ما أجده أصدق من التعديلات او القرارات الحاسمة التي تخص النص. تلك القرارات التي تأتي بعد موجة حادة من الشك. مع الوقت وتجربة كتابة روايتين طويلتين أجد ان الدفق الأول غالباً ما يكون أفضل، وسواء كان التعبير عن النص بالحوار أم السرد فان الأمر سيان.
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ.
ـ قرآن كريم
“فكأنّ بعضي مات بموتها، وكأن بعضها ما يزال حيّاً في حياتي. فكلانا ميت، وكلانا حيّ.”
ـ ميخائيل نعيمة
حكى رواد المقهى الذي يقع على ناصية الشارع الكبير المحاذي للنهر أنهم رأوا قسمت حين قدمت في تلك الليلة ماشية على عجالة وبصحبتها طفلة في الثانية من عمرها وطفل رضيع. قالوا إنهم تبينوا خيالها حين وقفت عند النهر ثم خلعت نعليها ومن ثم عباءتها لتكشف عن بطنها الحامل المنفوخة خلف “دشداشتها البازة”، ما جعل بعض زبائن المقهى ينفضون عنهم آثار السهر لينتبهوا إليها. غير أنها لم تمهلهم كثيراً ليستفهموا، فبادرت ببساطة وسرعة الى إلقاء الرضيع في النهر ثم قبل أن يفيق السهارى من المفاجاة أو يفكر أحد منهم في أن يهرع نحوها كانت قد ألقت بالطفلة ثم بنفسها.