تبدأ السهره معى
حكاية ...
(( الحورية التي أعشقها ))
يروى انه كان هناك تاجر شاب يدعى (نسيم) قد خسر تجارته في أحد الأيام فعاد فقيراً من جديد واضطر تحت وطئ الخسارة الى أن ينتقل رفقة والدته من بيته الفخم في المدينة الى كوخ صغير في قرية ساحلية بسيطة ..
وقد أشيع في تلك القرية عن رؤية البحارة والصيادين لمخلوقات الحوريات عدة مرات ..
لكن لم يتم التأكد تماماً من وجود تلك المخلوقات في الحقيقة ..
وقد جاء الكثيرون الى تلك القرية وبذلوا المستحيل من أجل صيد حورية واحدة ..
لكنهم كانوا دائماً ما يخفقون .. ويعودون أدراجهم بخفي حنين ..
لكن الحوريات التي نتكلم عنها في هذة القصة ليست عبارة عن مخلوقة نصفها العلوي إنسان ونصفها السفلي ذيل سمكة كما هو المتعارف ..
بل هي مخلوقة بساقين تشبه البشر تماما ..
غير أن الفرق الوحيد بينهما أن الحوريات يعشن في الماء فقط ولا يمكن أن يتنفسن خارجه أكثر من ساعة في اليوم ..
وهناك .. في تلك القرية ..
حاول نسيم ان يكسب لقمة عيشه لكنه كان يفشل في كل مرة ..
وفي أحد الايام ..
أحضرت أمه صندوقاً خشبياً وأعطته لنسيم ..
نظر نسيم الى الصندوق وقال :
ما هذا ؟
قالت :
أنت تعلم أن عمي رحمه الله كان صياد أسماك محترف ..
وفي هذا الصندوق ستجد شباكه التي كان يفتخر بها ويعتقد أنها تجلب له الحظ .. فهي لا تبلى وبإمكانها اصطياد أي مخلوق بحري ..
فتح نسيم الصندوق وأخرج الشباك وقال :
إذن تريدينني أن أعمل صيادا ؟
قالت :
لم لا ؟ فنحن في قرية بحرية وسكانها يعتاشون على خيرات البحر ..
تحمس نسيم للفكرة فانطلق من ساعته واختار بقعة منعزلة من الساحل حيث تكثر الصخور وألقى بشبكته ..
انتظر نسيم لساعة ثم عاين الشبكة فاكتشف أنه استطاع صيد عدد من السلطعونات وبعض الاسماك .. فسر لذلك وحمل غنيمته وباعها في السوق ..
وعند المساء ..
عاد نسيم الى بيته وقد علا وجه الارتياح وفي جيبه عدد من النقود ..
شكر نسيم أمه على حسن تدبيرها وقبّل رأسها .. فارتاحت أمه لعودة البسمة على محيا ولدها ..
أمضى نسيم عدة أيام وهو على تلك الحال يجني ما تحمله اليه الشبكة من خيرات البحر ..
وفي عصر أحد الأيام ..
ألقى نسيم بشبكته وربط طرفها على الصخور ثم استلقى ليرتاح فإذا به يغط في النوم ..
استيقظ نسيم فجأة وقد حل الليل فنظر الى النجوم وهي ترصّع كبد السماء وقال :
يا الهي لقد تأخرت في العودة الى البيت .. ماذا ستقول أمي عني ؟
ذهب نسيم ليحضر شبكته فإذا به يسمع صوت طرطشة عنيفة فقال :
يبدو أن الشبكة قد صادت سمكة كبيرة ..
نظر نسيم الى صيده فإذا به يرى فتاة متعلقة بحبال الشبكة !!!!
كانت الفتاة رائعة الجمال .. ذات شعر يبرق بلون الذهب تحت ضوء القمر .. وعينين زرقاوتين وشفاه وردية وذات بشرة ناصعة البياض ..
منظر الفتاة وجمالها الأخاذ قد حير عقل نسيم .. لكنه سرعان ما مد لها يده ليساعدها وقال :
آسف يا سيدتي .. لكن كيف سقطتي في شباكي ..؟
استغرب نسيم من الفتاة التي بقيت خائفة صامتة ولا تمد له يدها لينقذها ..
فأوضح لها أنه لا يريد بها شراً .. وأنه خائف عليها من الغرق ..
وهنا تحركت الفتاة فشاهدها نسيم وهي تتنفس تحت الماء !!!
فذهل للغاية وأخذ يقول :
أي مخلوق أنتي ؟؟؟ ياللعجب !!!!
هنا قالت الفتاة بلسان عذب فصيح وهي تبكي :
أرجوك أيها البشري .. إقطع الشبكة لأخلص جسدي العالق ..
انبهر نسيم كذلك لرقة وعذوبة صوتها فقال :
صوتك ما ....!!!! حسنا .. لا تخافي سأحررك فورا ..
أخرج نسيم سكينه وقطع الشبكة فتحررت المخلوقة وسرعان ما سبحت مبتعدة عن الشاطئ بينما أخذ نسيم يراقبها بانبهار تام ..
ظل نسيم جالساً على صخرته عدة دقائق يفكر فيما حصل ..
هل كان حلماً أم حقيقة ؟؟
هل حقاً رأى حورية ؟؟ كلمته وكلمها ؟؟
هل سيصدقه الآخرون إذا حدثهم بالأمر ؟؟
نسيم نفسه بالكاد صدق الأمر وقد حصل أمام عينيه .. فكيف بالآخرون ؟؟
وبينما كان نسيم يهم بالإنصراف وإذا به يلمح شيئاً يسبح نحوه ..
دقق النظر فإذا هي الفتاة الحورية قد عادت مقتربة من الشاطئ ..
قال نسيم بلهفة :
لما عدتي ؟
قالت بوداعة :
وأنت لما حررتني ؟
قال :
بهرني جمالك فلم أقدر على أن أرى هذا الجمال أسير الشباك ..
قالت :
لطالما حذرونا من البشر وقالوا أنهم يتوقون لاصطياد واحدة منا .. ولكني وجدتك على العكس من ذلك .. قد أسرعت لتحريري ..
قال :
ما أنتي ؟
قالت :
أنا حورية .. ونحن نعيش في قاع المحيط ..
قال :
وما اسمك أيتها الحورية ؟
قالت :
أدعى فجر .. ووالدي هو زعيم أعماق البحار .. وأنت أيها الشاب ؟
قال :
أسمي نسيم .. وأنا مجرد صياد فقير ..
تأمل نسيم الحورية الصغيرة ثم قال :
أخبريني يا فجر .. قلتي أنكِ من أعماق المحيط .. فماذا تفعلين هنا قرب سواحل البشر ؟؟
قالت :
نحب نحن الحوريات أن نراقب البشر دون أن يلاحظوا .. لذا نأتي ليلاً أحيانا ونشاهدهم من بعيد ..
قال :
أجل ولكن ماذا لو سقطتن في شباكهم ..
قالت :
نمزق الشباك طبعاً .. ولكن شباكك أنت من النوع العجيب لذا لم أستطع التخلص إلا إذا حررتني بنفسك ..
قال :
إذن فشباك العم كانت عجيبة فعلا ..
اقتربت فجر من نسيم أكثر وقالت :
هذه أول مرة أرى بشري عن قرب وأتحدث معه ..
قال :
وأنا كذلك ... أقصد يعني أنني أول مرة أرى حورية وأتحدث معها ...
قالت :
قضيت عمري في البحر .. وأنا الآن مبهورة بعالم اليابسة .. أريد أن أرى مخلوقاته الجميلة .. كالفيل والحصان ....
ثم نظرت إليه وأضافت :
والإنسان ..
قال :
أخبريني يا فجر .. هل كل الحوريات باهرات الجمال مثلك ؟
قالت :
يقولون في الاسفل أني أجمل حورية في البحار ..
قال :
لعمري أنهم لصادقون ..
ثم أمعن نسيم النظر الى جمالها وقال :
حوراءُ جلّ جمالها فتضوعا
واحتلَ عرشَ قلبي فتربعا
حوريةٌ لو رأتها العيون لأدمعت
من فرطِ حسنها أربعاً أربعا
شهقت فجر متفاجئة من كلامه .. فقال :
عذراً فجر إن تجرئت بالقول .. لكنّ بديع جمالكِ أطلق لساني ..
قالت :
لا بأس عليك ولكن .. ياااااه ما أجمل وأعذب ما نطقت به ... ما كان ذلك ؟؟
قال :
إنه يسمى الشعر ..
قالت :
الشعر ؟؟؟
قال :
نعم .. إنه أصدق وسيلة للبوح بما نشعر به من مشاعر جياشة ..
قالت :
أوتراودك الآن مشاعر ..؟
قال :
بلى ..
اقتربت فجر أكثر حتى وضعت ذراعيها على الصخرة التي يجلس عليها نسيم وقالت برقة :
ما طبيعة هذه المشاعر ؟
إنحنى نسيم حتى صار وجهه مواجهاً لوجهها وزاد من تأمله لها الى أن قال :
يا لهول هذا الجمال .. إنه يجعلني أتصبب عرقاً ويجعل قلبي يخفق بجنون حتى ليكاد يقفز من بين أضلعي ... تأكدي بنفسك ..
مدت فجر يدها بتوتر واضعةٌ إياها على صدر نسيم .. فسرت بينهما رعشة .. ثم ابتسمت وقالت :
آااه ... أنت محق ... هل أنت مريض ؟
أنشد هو يقول :
جميلُ الحالِ والحِلّة
بديعُ الطولِ والطَلّة
خفق القلبُ لرؤياهُ
وما في النفسِ من علّة
وكيف بربكِ لا يخفق
وتخومُ القلبِ محتلة
غزاها حسنها الباهر
وذَرى الأحشاءَ منحلّة
إضطربت فجر وهي في الماء لدى سماعها هذا الكلام وقالت :
أشعر برعشة غريبة تسري في جلدي لمجرد ذكرك لي بتلك الطريقة ..
قال :
ما نوعها ؟
قالت :
إنها تشعرني بالبهجة ولست أدري لماذا ..
ثم اقتربت فجر حتى خرجت من الماء وجلست على الصخرة قرب نسيم تبادله النظرات والإبتسامات ..
لاحظ نسيم أنها ترتدي ثوباً أبيضاً قصيراً هلامي الملمس ليس من أقمشة أهل الأرض قد لصق على بدنها وكشف عما وراءه ..
شم هو العبق الصادر منها وقال :
رائحتك طيبة بشكل مذهل يا فجر وهذا يؤكد أنكِ لستي سمكة بطبيعة الحال ..
قالت :
أوتعرف .. أنت لا بأس بك أيضا ... كبشري على الأقل .. فقد شعرت بالأمان معك ولم أهرب بعيداً كعادتي مع البشر ..
لذا أجدها فرصة في أن اطلب منك أمرا ما ..
قال :
أطلبي ما تشائين ..
قالت :
أريدك أن تحدثني عن كل شيئ عن عالمكم ..
قال مستغربا :
كل شيئ !!!؟؟
قالت :
نعم كل شيئ ..
قال :
حاضر سأفعل ذلك ولكن بشرط ..
قالت :
وما هوة ؟
قال :
أن تحدثيني بدوركِ بكل شيئ عن عالمكم ..
ابتسمت فجر وقالت :
هذا يبدو عادلا ..
قال :
صدقيني فجر .. لا أستطيع أن أرفع عيني عنكِ مهما حاولت .. كأنها مسمرة ..
انتي تذكريني بمرج الزهور الذي كنت أقطعه سيراً في طفولتي ..
رؤيتكِ الآن تعيد إلي بهجة تلك الأيام السعيدة ..
قالت :
ورؤيتك أنت كذلك تذكرني بقاعة القصر .. حيث كنا نحن الحوريات نجتمع ونغني معا .. وكانت الدلافين تأتي وتتلصص علينا ..
قال باستياء :
تعتبريني متلصص .. شكراً على أية حال ..
شهقت وقالت معتذرة :
لا ليس هذا قصدي ... بل قصدت أني قد أحببت منظر تلك الدلافين ..
ثم وارت وجهها عنه خجلا ..
ابتسم وقال :
كنت أمزح معكِ ..
أعلم أن فتاة بمثل هذا الجمال الصافي لا يمكن أن تقصد السوء أبدا ..
التفتت إليه مبتسمة .. وقد علا وجهها الإرتياح ..
وهنا سمع الإثنان صوت ينادي من الخلف :
نسيم ولدي ..أهذا أنت ؟؟
إلتفت نسيم فجأة وقال :
يا إلهي .. أمي لقد نسيتها تماماً ...
وصلت أمه الى الصخرة وقالت :
لقد تأخرت يا نسيم لذلك جئت أبحث عنك ... مع من كنت تتحدث ؟
نظر نسيم الى حيث كانت فجر فلم يجدها .. لقد غابت هذه المرة ..
إعتذر نسيم الى والدته بشدة وأخبرها أن النوم قد أخذه على حين غرة .. وأنه لن يجعلها تقلق عليه مرة أخرى .. لكنه لم يطلعها على أمر فجر ..
عاد نسيم مع أمه الى البيت وهو يتلفت الى البحر طوال الطريق عله يرى فجر مجددا لكنه لم يوفق الى ذلك ..
فبات باقي ليلته يفكر بأمر تلك الحورية العجيبة ..
في اليوم التالي ..
كان نسيم سرحان البال طوال النهار ..
فشغله التفكير بحوريته والتطلع الى لقائها مجدداً عن شبكته ..
فكان الصيادون المارة ينبهونه بامتلاء شبكته بالصيد الوفير بينما هو غافل عنه ..
ولما حل المساء ..
انتظر نسيم ظهور الحورية فجر على أحر من الجمر ..
ولم يطل انتظاره كثيرا .. فقد شاهد فجر تسبح مقتربة من صخرة الملتقى .. فشعر بالارتياح العميق ..
ولما وصلت فجر قالت :
لو تعلم كم كان اليوم طويلاً علي وأنا انتظر هذه اللحظة ..
ابتسم هو وقال :
لقد سرقتي جملتي يا فجر ..
ضحك الاثنان معاً وتطلع كل منهما للآخر ..
قالت :
هلا نبدأ ؟؟
قال :
اكيد .. تفضلي ..
شرعت فجر بطرح الأسئلة على نسيم حول كل ما ترغب في معرفته عن عالم البشر ..
سألته عن اسماء الحيوانات والطيور ..
وعن الحشرات والفراشات ..
والنباتات والأشجار والورود ..
ثم البشر ومهنهم وعاداتهم ..
ونسيم يجيبها في كل ذلك بسرور وهو يرقب مستمتعاً علامات الإنبهار والدهشة التي تظهرها فجر في كل مرة تسمع فيها أمراً غريباً عنها ..
استمرت تلك اللقاءات المسائية السرية طوال الليالي اللاحقة ليصبح مجموعها سبعة ليالي .. كانت فجر تأتي وتمكث وتستمتع فيها بالسمر مع نسيم حتى ساعة متأخرة ثم تودعه وتنصرف ..
وفي الليلة السابعة ..
وبعد انتهاء حلقة الأسئلة التي تطرحها فجر .. قالت :
هل أثقلت عليك يا نسيم ؟
قال مبتسما :
للمرة الألف أقول لكِ لا وألف كلا ..
يسعدني أن أجيب على أي سؤال تطرحينه ..
قالت وكأنها تشعر بالذنب :
أحقاً لم تتضايق ؟؟ ولو قليلاً يعني ؟؟
قال :
فجر .. إن مجرد الإستماع الى جمال نبرة صوتكِ عندما تتحدثين .. ورؤية تلك النظرات الساحرة التي ترمقيني بها عندما أتحدث أنا .. لهو أجمل مقابل أناله جراء تلك الأسئلة ..
أطرقت سحر حياءا وهي تقول :
بقي شيئ لم تحدثني عنه يا نسيم ..
قال :
وما هو ؟
رفعت رأسها تنظر إليه وقالت :
أنت .. لم تحدثني عنك قط ..
تبسم وقال :
لأنكِ لم تسألي ..
قالت :
لا ..
أريدك أن تحدثني بلا حلقة سؤال وجواب ... فقط تكلم بأريحية ..
قال :
حاضر سيدتي ..
تكلم نسيم ..
تكلم وتكلم حتى قال في النهاية :
كما ترين .. ليس في حياتي الرتيبة ما يشوق .. باستثناء مقابلتي لكِ ..فإنها أسعد شيئ حصل لي يوما ..
هنا قالت فجر :
أنا مضطرة للعودة الآن .. سنلتقي غداً في نفس الموعد .. صح ؟
قال : أكيد يا فجر ..
سبحت فجر مبتعدة قليلا فسمعت نسيم ينشد مع نفسه قائلا :
لست أدري
أإعجابٌ في داخلي يسري
أم هو حبها ينبضُ في صدري
ومع الدمِ في الشريانِ يجري
أوتدري هي ما عذري ؟ .. لست أدري
نهشتْ قلبي نهشَ الضواري
مذ تعلقتُ بحبِ الحواري
فهاجت بوصفها جلّ أشعاري
أتراها تشعر بحالي .. لست أدري
يوقظني حبها كلَ صباحٍ وفجر
يصعقني طوراً وطوراً ينفجر
فجرُ الجمالِ هي واسمها فجر
كل ما أدري بأني .. لست أدري
عادت سابحةً إليه فجر وقالت متأثرة :
نسيم ؟؟ أهكذا تشعر تجاهي ؟؟
قال مستغربا :
أسمعتي أشعاري ؟؟
قالت :
بلى ... يبدو أن حاسة سمعي باتت قوية جدا خارج الماء ..
لم يحر نسيم جواباً فواصلت فجر القول :
نسيم .. لقد سبق وأن طرحت عليك سؤالاً في أول ليلة التقينا .. حول طبيعة مشاعرك ..
واليوم أكرر عليك نفس السؤال ..
هنا قفز نسيم الى الماء وسبح باتجاه فجر .. فلما صار مقابلها قال :
نعم يا فجر ... أنا أحبك ..
قالت برقة :
وما الحب ؟.. فأنت لم تحدثني عنه ..
قال :
الحب لا يختص بعالمنا حتى أحدثكِ عنه ...
الحب موجود في جميع العوالم ..
وموجود في عالمكم أيضا ..
قالت :
حدثني عنه أكثر ..
قال :
فجر .. الحب ليس مجرد كلام حتى تتعلميه ..
الحب هو إحساس رائع يجب أن تعيشيه حتى تفهميه ..
وحتى كلامي هذا لا يصف الحب ..
فالحب أعمق من ذلك بكثير ..
قالت :
وهل تعيش هذا الإحساس الآن ؟
قال :
إنه بلى ..
قالت :
نسيم .. ما الذي رأيته بي حتى أحببتني ؟؟
ابتسم هو ورفع رأسه الى السماء وضحك ثم نظر إليها وقال :
هل تمزحين معي ؟؟ بل قولي ما الذي لم أره بكِ ..
فجر .. إن كل ما فيكِ ليجذبني الى تيار حبكِ بشدة ..
ثم أنشد يقول :
أبلِغ مقامكَ حيثُ شئتَ من الهوى
فإنكَ دوني ولو جار الزمانُ والتوى
أحببتها حباً منهُ عاشَ القلبُ وارتوى
ثم شاط بعشقهِ وشظَ بنارهِ فاكتوى
ذهلت فجر لما سمعت وقالت :
وهل لذلك الحب علامات وآثار ؟؟
قال :
هذا مؤكد ..
قالت :
فما علامته ؟؟
مد نسيم يده إليها فأمسكها من ذقنها وجعل يدعك شفتها السفلى بإبهامه .. ثم قرب وجهه من وجهها وقبّل فاهها ..
شهقت فجر واضطربت ففاحت من جلدها الرقيق روائح عطرة كالمسك بل أذكى .. فذهل نسيم وقال :
أهذا ما تفعلنه معاشر الحوريات عندما تشعرن بالإثارة ..
إبتعدت عنه فجر وقالت :
لقد تأخرتُ كثيرا .. أنا ذاهبة ..
غطست فجر مسرعة فقال نسيم :
فجر .. أنا آسف إن كنت قد ضايقتكِ ..
ومع انها قد غاصت مبتعدة ولم تلتفت إلا أن نسيم واصل كلامه بصوتٍ عال :
أعرف أنكِ تسمعين فسمعكِ حاد جدا ... فجر .. أكرر أسفي .. وسأنتظركِ هنا في نفس الموعد ..
ثم خف صوته حتى أصبح كالهمس :
فجر أسمعتي ؟؟ أنا أحبك .. نعم .. أنا كذلك ..
وطوال الأيام التالية ..
كان نسيم يأتي مساءاً الى صخرة الملتقى ويمكث عندها حتى يرخي الليل سدوله .. ثم يعود دون ان يحظى برؤية حوريته الجميلة ..
فانتابه الحزن الشديد لاعتقاده أنه السبب في عزوف فجر عن الحضور ..
متابعة للجزء الاخير من حكاية ...
🐳🐋(( الحورية التي أعشقها ))🐬🐟
..↚
الجزء الاخير من حكاية ...
🐳🐋(( الحورية التي أعشقها ))🐬🐟
بالنسبة لفجر ..
فعندما عادت الى مملكة أبيها تحت البحر بعد ليلتها الأخيرة مع نسيم .. إستقبلتها شقيقتها الكبرى (غسق) وقالت لها :
لقد قلقنا عليكِ جدا .. خصوصاً بعد أن أبلغتنا الأسماك أنكِ وقعت في شباك الصيادين مجددا ..
ماذا سيقول أبي عندما يعلم أنكِ إقتربتي من سواحل البشر مرة أخرى ؟
فجر :
إذا لم يخبره أحد فمن أين سيعلم ؟
غسق :
من المهم أن نبقى بعيداً عن أعين البشر لأنهم جنس بارد عديم الإحساس بليد المشاعر .. لا هم لهم سوى إصطيادنا واستنزاف ثرواتنا ..
فجر :
هذا ما كنت أريد قوله يا غسق .. أنت مخطئة .. فقد قابلت أحدهم و....
صاحت غسق بدهشة :
ماذااااا ؟؟؟ قابلتي أحدهم تقولين .. لا لا لا ... لقد تخطيتي حدودكِ فعلاً هذه المرة ..
فجر :
أنت لم تسمعيني حتى تقرري .. إنه ....
وضعت غسق أصابعها في آذانها وقالت :
لا أريد أن اسمع ... الذي أعرفه أنه من الخطأ الإتصال بالبشر بأي طريقة كانت ... وأنتي لن تذهبي الى السواحل مرة أخرى .. مفهووم ؟؟
غادرت غسق منزعجة بينما بقيت فجر مستائة حتى حلول الليل ..
حيث قررت التسلل لرؤية نسيم مجددا ..
نسيم الذي تكنّ له فجر الحورية البريئة مشاعر مضطربة ..
فبعد ما حصل الليلة الماضية .. كانت فجر متحمسة للغاية لرؤياه والتحقق من مشاعرها تجاهه ..
خصوصاً بعدما سمعت إعتذاره الصادق بشأن قبلته المفاجئة ..
وما إن خرجت ... حتى فوجئت بأسماك أبو سيف تحيط بها وتمنعها من الخروج ..!!!
ثم جائت غسق برفقة أبيها وقالت لها :
لقد حذرتكِ من الخروج يا فجر .. لكنكِ لم تنصتي لذا أخبرت أبانا بالأمر ..
الأب :
من الآن فصاعداً ستبقين حبيسة غرفتك حتى أقرر ماذا أفعل بشأنك ..
أمضت فجر ليلتها تلك في بكاء شديد بعد أن يأست من الخروج .. فدخلت عليها غسق وشاهدتها غارقة في البكاء فرثت لحالها وجلست الى جانبها وقالت لها :
أيستحق كل هذا البكاء ؟
قالت فجر وهي تكفكف دموعها :
من تقصدين ؟
غسق :
تعرفين من أقصد .. البشري الذي كنتي متلهفة لرؤياه ..
فجر :
آه يا أختاه لو قد رأيتيه وسمعتي كلامه العذب .. لما فعلتي ما صدر منك ..
غسق :
أنتي ما زلتي صغيرة وجميلة يا فجر .. ومن الطبيعي أن يعجب بك الآخرون .. سواء البشر أم غيرهم ..
كما إنكِ فتاة ساذجة قد تنخدعي بأرخص المشاعر .. وما فعلته أنا كان لغرض حمايتكِ ليس إلا .. لأنه يبدو أنكِ لا تعرفين مصلحتكِ جيدا ..
فجر :
قلتم لنا أنهم عديموا المشاعر .. لكن مما رأيت وجدت أنهم ذوو مشاعر راقية .. على الأقل بعضهم .. فلماذا إذن القطيعة معهم ؟
هزت غسق رأسها بالنفي وقالت :
لا فائدة .. ستبقين فجر الحورية الساذجة الطيبة التي تظن أن العالم كله عبارة عن دنيا قوس قزح وأنه لا يوجد شيئ إسمه شر أو كذب أو خداع ونفاق ..
فجر :
لو وجدتُ شخصاً واحدا لا يحمل تلك الصفات السيئة التي قلتيها .. بل يحمل قلباً نقيا طاهرا .. فلماذا يهمني بقية العالم ؟؟
سيكون ذلك الشخص هو عالمي ودنياي ..
تأففت غسق ثم تركت فجراً لوحدها في الغرفة .. فعادت الى البكاء ..
واستمر الحبس لعدة أيام .. كانت فجر تشرع فيها بالبكاء كلما حل المساء لعدم قدرتها على الخروج ..
وكانت تقول لغسق :
أرجوكِ يا أختاه .. إنه هناك ينتظرني على الصخرة .. أنا أعرف ذلك .. أريد رؤيته مرة أخرى ..
غسق :
أنتي لم تقابليه سوى سويعات معدودات .. فلمَ كل هذا الإهتمام به ؟
هنا أنشدت فجر قائلة :
سلاني سيفُ الشوقِ ومزقني بأنصاله
وذراني كما ذرى على الأرضِ أوصاله
ستدهشين عجباً لو قد رأيتي خصاله
جلّ ما يبغيه القلب هو قربهُ ووصاله
دهشت غسق وقالت :
ماذا أسمع ؟؟ أتذكرينه بأشعار البشر ؟؟ لابد أنكِ قد جننتي .. دعيني أرى ..
وضعت غسق يدها على جبين فجر ثم قالت :
كما توقعت .. أنتي محمومة .. وكل مياه المحيط لن تطفئ لهيب تلك الحمى ..
خرجت غسق وهي تفكر في أمر فجر .. فاهتدت الى أن تطلب من إحدى الوصيفات من الحوريات واسمها (ريحانة) أن تذهب الى الصخرة حيث إدعت فجر لقائها بنسيم .. ثم أخبرتها بما ستخبره في حال وجدته ..
ذهبت ريحانة في ذلك المساء .. وفعلاً وجدت شاباً جالس على الصخرة يراقب البحر فاقتربت منه ..
وكان ذلك الشاب هو نسيم فعلاً والذي ما إن رأى شيئاً يسبح تجاهه حتى نهض وقلبه يخفق بشدة لاعتقاده أنها فجر .. لكن ريحانة أخرجت رأسها من الماء وقالت :
من أنت ؟
قال :
أنا نسيم ..
قالت :
إسمع أيها البشري .. عليك أن تنسى أمر الحورية فجر تماما .. وأن تترك تلك الصخرة وتهاجر من البلدة إذا كنت تهتم لأمرها فعلا .. وإلا فأن والدها سيقتلها .. إفعل ذلك لأنك تعرف كيف تنتهي مثل هذه القصص المستحيلة ... قصة حورية وبشري ..
أطرق نسيم ثم أنشد :
يخبروني جهارا وسراً بأن أنساها
وما علموا بأني وطنتُ في هواها
فقلبي قد دعاها وتاقَ الى رؤياها
وزاد في غرامهِ الصقع في عيناها
دهشت ريحانة من جوابه وأرادت العودة فناداها نسيم وقال :
أقسم عليكِ أيتها الحورية الرسولة إلا ما سلمتي فجر هذه الهدية ..
رمى نسيم إليها بقلادة فتلقفتها ريحانة وغطست عائدة الى مملكة الأعماق ..
وهناك .. إلتقت ريحانة بغسق وأخبرتها بكل ما دار بينهما من حوار لكنها أخفت عليها أمر القلادة .. فقالت غسق :
هو مازال ينتظرها إذن .. يجب أن أفكر في حل آخر ..
بعد انصراف غسق .. تسللت ريحانة الى غرفة فجر فشاهدتها منهمكة في البكاء فاقتربت منها وقالت :
سيدتي لو تعلمين أين كنت الآن ..
إلتفتت إليها فجر مدهوشة فيما واصلت ريحانة كلامها :
لقد جئت للتو من عند نسيم وقد طلب مني أن أعطيك هذه الهدية ..
فجر :
أتحاولين خداعي ؟
ريحانة :
كلا يا سيدتي أقسم لكِ ..
ثم أخرجت ريحانة القلادة وكانت على شكل دولفين .. وحالما شاهدتها فجر حتى صاحت بفرح :
إنها منه فعلا .. فقد أخبرته بشأن الدلافين ..
قبلت فجر القلادة وضمتها الى قلبها ثم التفتت الى ريحانة وقالت وهي تستعجلها :
حدثيني عنه .. كيف هو ؟ هيا حدثيني حدثيني ...
ريحانة :
على رسلك يا سيدتي .. سأتحدث ..
أخبرت ريحانة سيدتها بكل ما جرى منذ طلب غسق منها ذلك لغاية عودتها .. ثم أضافت ريحانة :
لقد نطق بكلام جميل جدا ..
فجر :
إنه الشعر ..
ريحانة :
الشعر ؟؟
فجر :
نعم .. إنه يعبر عما بداخلنا عندما يعجز حوار الكلام ..
ثم أنشدت :
براني نسيمُ الشوقِ بريا
حتى عراني من العقلِ عريا
ولو ظفرتُ بلقياهُ حيا
لهرعتُ الى حضناهُ جريا
ثم عاودتها نوبة البكاء فبكت ريحانة لحال سيدتها واعتذرت منها على ما قامت به ..
❤❤❤❤❤❤❤
أصيبت أم نسيم بمرض مفاجئ ..
فأحضر لها ولدها الطبيب فأخبره ان علاجها لا يمكن في هذه القرية البسيطة .. وأن عليه نقلها الى المدينة الكبيرة إذا ما أراد لها الشفاء ..
تحير نسيم في أمره ..
فكيف سينقلها الى المدينة وليس معه من النقود ما يكفي ..
وهنا أتت الأخبار السارة بسرعة ..
فلقد استعاد نسيم ثروته التي خسرها في التجارة وفوقها زيادة ..
إذ حكم له القاضي بوقوعه ضحية نصب واحتيال .. وتم القبض على الفاعلين وإيداعهم السجن وتعويض المتضررين جراء ما لحق بهم من خسائر .. ومن جملتهم نسيم ..
بعد حل مشكلة المال ويأسه من عودة فجر .. قرر نسيم السفر مع أمه بواسطة إحدى السفن الى المدينة التي كان يقطنها لغرض العلاج ..
وفي الليلة التي تسبق يوم السفر ..
وقف نسيم طويلاً على صخرة الملتقى ينظر الى البحر ودموعه تتساقط على خديه حتى امتزجت بمياه البحر .. ثم قال :
إن كنتي تسمعيني يا فجر ..
فاعلمي أن خسارة تجارتي واضطراري للسكنى هنا .. لهو أفضل حدث في حياتي .. لأنه عرفني بك ..
أن الأيام القليلة التي قضيتها في تلك القرية .. لهي أجمل أيام حياتي ..
ولياليها أفضل الليالي ..
كانت ليالي خيالية ولا أروع ..
لازلت لا أعرف إن كنتي طيفاً مر على خاطري .. أم حقيقة ؟؟
فإن كنتي حقيقة فأين أنتي الآن بربكِ ؟؟
فجر .. أنا مضطر أن أقول لكِ وداعا ..
آه لو تعلمين ما أصعبها من كلمة على قلبي ..
ثم انشد يقول :
قد عاش قلبي لهيبَ الصِراعِ
فغصصتُ مراراً بقولِ الوداعِ
لفقدِها بكيتُ بُكاءَ الجياعِ
ودونها حالي كسيرَ الجَناحِ
كحالِ السفينِ بغيرِ شِراعِ
غادر نسيم وهو يحمل في داخله قلباً كسيرا ..
لكن الشيئ الذي لم يلاحظه نسيم هو وجود عدد من الدلافين كانت تنظر إليه وهو يخاطب البحر ..
وبعد رحيل نسيم .. إتجهت تلك الدلافين الى قصر زعيم البحار حيث غرفة فجر ..
نظرت الدلافين من النافذة وأخذت تطلق أصواتا ..
سمعت فجر بها فذهبت نحوها ورأت الدلافين فتسلت برؤيتهم ..
وهنا حدث أمر ما ..
فبينما كانت الدلافين تطلق اصواتها فيما بينها تبدلت ملامح فجر من شدة الدهشة وقالت :
يا إلهي .. باستطاعتي فهم ما تقولون .. واعجبي ... تقولون ان نسيم كان يقف على صخرة الملتقى وهو يودعني ..!!!!
لا أعرف كيف استطعت فهمكم ولكن يجب أن ألحق بنسيم قبل أن يرحل ..
أرجوكم ساعدوني ..
ذهبت الدلافين ثم عادت بألياف من حبال الشعاب فربطتها فجر بقضبان النافذة ثم عضت الدلافين الحبال وجرتها بقوة واستمرت بسحبها وفجر تشجعهم وتحثهم على المتابعة .. لكنهم أخفقوا في النهاية في قلع النافذة ..
شعرت فجر بالإحباط فقامت بضرب النافذة براحة يديها .. وهنا حصلت مفاجأة أخرى ..
فقد انقلعت النافذة من جراء ضربة فجر وانزاحت بعيدا ..!!!
تعاظمت دهشة فجر .. لكنها لم تضيع وقتها في تفسير ما يحدث لها .. بل سارعت الى الخروج والإنطلاق الى قرية نسيم ..
وفي مكان آخر ..
اجتمعت غسق ووالدها زعيم أعماق البحار مع حورية عجوز تلقب بعرافة البحار ..
حيث طلبت العرافة مقابلتهم في مخدعها لحصول أمر غريب يستدعي حضور الزعيم ..
قالت العرافة :
لقد طلبت حضوركم لأني استشعرت حصول أشارات عديدة خلال الأيام القليلة الماضية .. وهذه الأشارات قد أخذت بالزيادة والقوة خلال الساعات الماضية ..
الزعيم :
ما نوع الإشارات التي تتحدثين عنها ؟
قالت :
أنتم تعلمون قصة أمنا الحورية العظيمة (كارينا) التي عاشت قبل ثلاثة آلاف عام ..
وتعلمون أن أسلافنا الذين انحدرنا عنهم كانوا عبارة عن نصف بشري ونصف سمكة ..
وبعد قصة حب حقيقية جمعت كارينا مع شاب من البر .. إتحدت كارينا مع قوى الطبيعة للتحول الى مخلوقة شبيهة بالبشر تتنفس تحت الماء ..
لكن كارينا لم تنجو من هذا التحول العجيب .. فدفعت حياتها ثمناً لمغامرتها العاطفية ..
لكن النتيجة كانت مذهلة .. فمنها جاء جنسنا الحالي الشبيه بالبشر ..
واليوم أرى العلامات ذاتها المذكورة في مصادر الأقدمين ..
وهذا يعني أن زمننا على وشك أن يشهد تحول جذري في جنسنا .. تماماً كما حدث من قبل ..
غسق :
ولكن ما سبب تلك الإشارات وهذا التحول ؟؟
العرافة :
ستتعرف حورية عذراء على السعادة وسيتفتق قلبها عن الحب الحقيقي لأول مرة كما حدث مع الأم كارينا ..
وسيصل حبها الى الدرجة الذي سيغير معها وجودها وكيانها ..
بل سيمتد تأثير حبها ليشمل عِرق الحوريات بالكامل ..
الزعيم :
وما طبيعة تلك الإشارات حتى ننتبه لها ونعرف صاحبتها ؟؟
العرافة :
الحب الحقيقي سيطلق بداخلها قدرات خارقة للعادة ليست من طبيعة باقي الحوريات ..
يبقى هنالك شيئ أخير يجب أن تعلماه .. وهو أنه في حالة فشل هذا الحب فستموت الحورية من الكمد ..
وفي حالة نجاحه فستترقى الى حالة أسمى .. وأيضاً ستغادر هذا العالم وسنخسرها .. لكن بالمقابل سيعود نجاح حبها علينا بالفائدة العظيمة ..
تماماً كما حصل مع الأم كارينا ..
عاد الزعيم الأب وابنته الى قصر الأعماق ..
وهناك تم إبلاغه أن ابنته فجر قد هربت .. فتفاجئ بالخبر وصرخ :
كيف حدث هذا ؟؟
فأجابه أحد الحرس :
لقد تمت مشاهدتها وهي تحطم النافذة .. وقد حاولنا اللحاق بها لكنها سبحت بسرعة فائقة جداً حتى غابت عنا تماما .. أعرف أنه أمر صعب التصديق ولكنها الحقيقة يا سيدي .. نقسم لك ..
هنا التفتت غسق الى ابيها وقالت :
أبي .. العلامات !!!؟؟
نظر إليها الاب وقال :
عليكِ أن تخبريني بكل شيئ عن هذا البشري الذي تواعده فجر سرا .. الآن وفي الحال ..
بعد ذلك وصلت الحورية العرافة وعرفت بأمر فجر وكونها الحورية المنتظرة .. فقال لها الاب :
هل يمكن إنقاذ إبنتي ؟؟
قالت :
إذا استطعنا منعها عن رؤية حبيبها فلربما ستعيش ..
❤❤❤❤❤❤❤
بالرغم من سرعتها العالية .. إلا أن فجر وصلت متأخرة الى شاطئ القرية ..
فقد غادرت السفينة التي تقل نسيم وأمه متوجهة الى المدينة ..
هنا قامت فجر بأمر عجيب تجربه لأول مرة ..
إذ استدعت طيور البحر اليها من نوارس وغيرها .. فلبت الطيور دعوتها وهبطت حواليها على الماء .. فخاطبتهم فجر قائلة :
أصدقائي الطيور .. ها أنا اطلب اليوم مساعدتكم لأول مرة .. فلقد علمت من الأسماك أن هناك أربع سفن قد غادرت القرية هذه الصباح .. وحبيبي على متن إحداها ..
لذا أطلب منكم الطيران والبحث عن مواقعها والعودة لإخباري .. أرجوكم أيتها الطيور ..
طارت الطيور مجتمعة منصاعة لتوسل فجر .. ثم عادت لتخبرها عن مسارات السفن التي رصدتها من الجو ..
فكانت فجر تسبح مسرعة نحو كل سفينة حتى تقترب منها وتضع يدها على بدن السفينة وتغلق عيناها كأنها تصغي لشيئٍ ما ثم تقول :
إنه ليس هنا .. لا أسمع دقات قلبه ..
الى ان وصلت فجر الى السفينة الرابعة .. فلما اقتربت منها داخلها شعور بالسرور والإرتياح ذلك لأنها سمعت دقات قلب نسيم وشمت عطره المميز حتى قبل أن تلامس السفينة ..
فجأة حدث أمر في غاية الخطورة ..
إذ على بعد عشرات الأميال حدث زلزال في البحر إستمر عدة ثواني ..
لكن نتائجه كانت وخيمة .. إذ أنه قد ولد موجة عملاقة إكتسحت البحر ..
فجر من مكانها أحست بقدوم الموجة فأخذت تفكر بنسيم وتناجيه بقلبها :
نسيم استيقظ .. وتعال إلي .. أرجوك ..
كان نسيم يرقد نائماً في غرفته في تلك اللحظات لكنه فز فجأة فقالت له امه التي تجلس بجانبه :
نسيم .. ما الأمر ؟
قال :
هل سمعتي يا أماه شخصاً يناديني ؟
أجابت :
كلا يا بني ..
هنا سمع نسيم ذلك الصوت في رأسه يناجيه من جديد .. فنهض وقال :
أماه .. سأتركك قليلاً فقط ..
أسرع نسيم الى سطح السفينة واتجه الى الحافة ونظر الى أسفل ويا للدهشة ...
لقد شاهد أجمل منظر يراه منذ فترة .. إنها فجر تسبح في الأسفل وتنظر إليه ..
قال لها بدهشة الفرح :
لقد سمعت صوتكِ يناجيني يا فجر .. ما أقوى تلك الرابطة التي تجمعنا !!!
قالت :
نسيم .. إسمعني جيدا .. عليك أن تنزل أشرعة السفينة فورا .. حتى أتمكن من دفعها ..
قال متعجبا :
دفعها !!!!؟؟؟
قالت :
أرجوك نسيم عليك أن تصدقني ..
أومأ إليها نسيم برأسه ثم انطلق يطالب بخفض الأشرعة فلم يستجب له البحارة .. فقابله الربان وسأله عن السبب فلم يحر نسيم جواباً لكنه قال :
أرجوك سيدي .. لا أستطيع الشرح الآن .. لكن عليكم بفعل ذلك فورا ..
لم يقتنع الربان وطلب منه ترك سطح السفينة ..
هنا ثار نسيم واختطف سيفاً وهرع نحو الصواري وأخذ يضرب حبال الأشرعة فيسقطها حتى أتى على جميعها ثم ألقى السيف ..
فهجم عليه الطاقم وألقوا القبض عليه .. وهنا ... فوجئ الجميع برجة في السفينة .. تلاها أن تحركت السفينة للأمام بسرعة .. فوقف الجميع حائرين .. مذهولين ..
إذ كيف تتحرك السفينة بغير أشرعة !!؟؟
ثم شاهد الجميع موجة هائلة تقترب من السفينة فكثر الصراخ والفزع بينهم .. لكن سرعة هرب السفينة حال دون أن تطالها الموجة ..
واستمرت فجر تدفع بالسفينة بأقصى طاقتها حتى خفت حدة الموجة ثم تلاشت وزال الخطر ..
عم الفرح والسرور أرجاء السفينة بعد نجاة ركابها من موت محقق ..
لكن بعض الركاب المتعصبين إتهموا نسيم ووالدته بالسحر والشعوذة وإلا فكيف علموا بقدوم الموجة العملاقة وكيف تحركت السفينة بتلك السرعة بلا أشرعة هروباً من الموجة ..
آنذاك .. إنقسم الركاب والطاقم بين مؤيد ومعارض لمعاقبة نسيم .. فقرر الربان أن يلقى بنسيم وأمه في عرض البحر على متن طوف صغير ..
بكت الأم لذلك لكن نسيم طمئنها وهدئ من روعها وقال :
لا عليكِ يا أماه .. فهناك من سيرعانا في عرض البحر ..
تم أنزال الإثنان الى البحر في الطوف الصغير ثم غادرت السفينة ..
وما هي إلا لحظات حتى تحرك الطوف بسرعة ففزعت الأم فضحك نسيم وقال :
لا بأس يا أمي .. يسرني أن أعرفك على فجر ..
الأم :
من المريض هنا ؟؟ أنا أم انت ؟؟ عن أي فتاة تتحدث ونحن في عرض المحيط ؟؟
هنا أطلت فجر برأسها من خارج الطوف فدهشت الأم وصاحت :
يا إلهي .. إسحب الفتاة يا ولدي فهي ستغرق ..
ضحكت فجر وقالت :
أنا لن أغرق يا سيدتي .. فأنا حورية ..
فتحت الأم فاهها واتسعت حدقتاها من الدهشة وقالت :
عذراً يا بنيتي فأنا لم أرَ حورية من قبل ... يا إلهي ما أحلاكي ..
نظر نسيم إليها وقال :
هل حقاً قمتي بدفع السفينة يا فجر ؟؟
قالت :
نعم ولا تسألني كيف حدث ذلك .. فأنا نفسي لا أعرف ما الذي يحصل لي ..
اقترب منها وقال همسا :
لقد ذبتُ شوقاً إليكِ يا معذبتي ..
قالت باستحياء :
اخفض صوتك يا شقي .. ستسمعك امك ..
قال :
لذلك أهمس ..
قالت :
تكلم بقلبك فسأسمعك ..
ثم إني اشتقت إليك كذلك يا غالي .. لذا تركت قاع البحر من أجل سواد عينيك ..
قال :
ياااااه .. هل تعلمين أنكِ تزدادين جمالاً وتلألؤا في كل مرة أراكِ فيها ..؟
قالت :
ما زلت لا أعرف السبب .. لكن يبدو أن تلك الأمور لا تحدث لي ألا عندما أكون بقربك أو حين أفكر فيك ..
أخذ نسيم يصرخ بكلمة (أحبك) لكن بقلبه فتتبسم هي ضاحكةً من قوله بينما تستمر بدفع الطوف الى بر الأمان ..
وصلت فجر بالطوف مساءاً الى جزيرة صغيرة غير مأهولة ..
فأنزل نسيم أمه الى جانب شجرة على الشاطئ وهي ترتجف وقد أشقاها المرض ..
فتقدمت منها فجر وجلست عندها ووضعت يدها على جبينها وأشفقت على حالها .. فأحست الأم براحة عجيية وبدا وكأن المرض قد غادرها فابتسمت وانقادت الى نومٍ هانئ ..
قال نسيم :
ماذا فعلتي لأمي ؟؟ لقد زال الشحوب عنها .. لم أرها بحالٍ أفضل كما هي الآن ..
قالت :
قلت لك لا أعلم .. هذا يحيرني أنا أيضا ..
هنا تقدمت مجموعة من الذئاب المفترسة نحو الثلاثة تبغي التهامهم .. فتقدمت منها فجر ومدت يدها تجاهها فتغير حال الذئاب وتقدمت من فجر فصاح نسيم :
فجر !!! حاذري ..
لكن الذئاب قامت بلعق ذراعي فجر وساقيها وأصبحت وديعة للغاية .. فربتت فجر على ظهورها ومسحت على فروها بسرور فتراجعت الذئاب وتركتهم لحال سبيلهم ..
لم يصدق نسيم عينيه فقال :
ما زلتي تذهليني في كل مرة يا فجر ..
لاحظ نسيم ايضاً أن فجر كلما مرت بنبات حتى إخضرّ وتألق باخضراره ..
ولا مرت ببرعم إلا وتفتحت أزهاره ..
ولا سارت على بقعة من الأرض إلا واستوت خاضعةً لقدميها الحافيتين ..
بعد أن غطى نسيم أمه .. أبتعدا هو وفجر عنها الى مكان قرب البحر فجلست فجر تتأمل النجوم والأمواج وجلس هو يتأملها هيَ .. قال لها :
لقد مكثتي فترة طويلة خارج الماء .. هل أنتي بخير ؟
قالت :
لم أعد أتأثر بكوني خارج الماء أو داخله ... ولم أعد أتأثر بأمور عديدة ..
فمنذ أن تعرفت عليك حتى تغيرت في داخلي أشياء كثيرة ..
بت أسمع وأرى بشكل مذهل ..
أعرف لغة جميع مخلوقات البحر والبر وأن أؤثر عليها بدماغي ..
بإمكاني أن أسبح بسرعة هائلة وأن أحطم وأحرك بيدي الأجسام الضخمة إذا شعرت بالتهديد ..
تفوح من جلدي روائح عطرة للغاية إذا لمستني وشعرتُ بالإثارة والشهوة ..
أحس بالحياة تضج في صدري وتتدفق الى العالم من حواليّ ..
ثم التفتت اليه وقالت بخوف ظاهر :
نسيم .. ما الذي يحصل لي ؟
اقترب هو منها وهدئ من روعها وقال :
حبيبتي لا تلقي بالا .. فأنا معك الآن .. وما يحصل معك شيئ رائع للغاية ولا يمكن أن يكون شراً أبدا ..
لاحظ نسيم كذلك أن فجر قد أضحت أكثر بهاءاً ووجها أكثر إشراقاً عن ذي قبل فازداد بها انبهارا وقال :
آهٍ حبيبتي لو تعلمين كم افتقدكِ واشتقتُ إليكِ .. ظننتُ أني لن أراكِ ثانية ..
قالت بانكسار :
أوه نسيم أنا آسفة .. لم يكن الأمر بيدي .. فقد كنت سجينة القصر .. لكن لولا هذه المزايا العجيبة لما استطعت إيجادك ولقياك ثانية ..
مد يده وأمسك بيدها مذهولاً بنعومتها .. فتضوع المكان بأذكى العطور .. وتلألأ وجهها وسطع بريق عينيها وأخذ شعرها يتموج على كتفيها وقد غزت حمرة الحياء خديها لتكمل جمال تلك اللوحة الإلهية البديعة ..
بهت نسيم من شدة روعة جمالها وتوقفت عنده الكلمات فتبسمت هي له فقال أخيرا :
ما رأيت قط أجمل ولا أروع من ذلك ..
ثم أنشد يقول :
حوراءُ من حسنها البدرُ يستترُ
خجلاً فلا عاد له في الأفقِ أثرُ
الشمسُ تهوي لو بانَ مطلعُها
فلا الشمسُ ترقى لها ولا القمرُ
ضحكت فجر لبديع أشعاره فمدت أناملها الرقيقة لتحسر شعرها الذي يبرق بلون الذهب عن وجهها بلطافة فذاب نسيم طرباً لحركاتها وقال :
أتحاولين أن تولعي نار الغرام في قلبي ؟؟ إذن فقد والله نجحتي ..
ثم قال :
تحيا فجرٌ ما أروعُها
سبحانَ الخالقُ مبدعُها
قلبي قر إلى قرباها
قد قنصت قلبي بأجمعها
لو قد حق غيابُ الشمسِ
لقامَ القمرُ من مخدعها
أصلُ الحبِ سناءُ الكونِ
وسنا الكونِ من منبعها
تأثرت هي بكلماته الرقيقة فقالت :
كنت مضطربة المشاعر نحوك يا نسيم .. لكنني الآن على يقين من أمري .. وما يحصل لي من تغير يؤكد لي صدق مشاعري تجاهك ...
نسيم انا أسألك .. هل هذا هو الحب ؟؟ وهل يفعل الحب كل ذلك بالمرء ؟؟
قال :
أستطيع أن أؤكد لكِ أنه حب ... لكن أن يصنع الحب المعجزات بهذا الشكل الذي يحصل معكِ فأنا لم أسمع عن ذلك سابقا ..
فجر أنتي فريدة من نوعك .. ولم أشهد أصدق ولا أنبل من قلبك من قبل ..
ثم قبل يدها ..
نظرت إليه فساح في سحر عينيها ..
هنا مدت يدها نحوه فأمسكت ذقنه ..
دعكت شفتيه بإبهامها ..
ورطبت شفتيها بلسانها ..
ثم أشارت إليهما بإصبعها ..
ففهم هو الإشارة ..
فاقترب أكثر حتى طوقها بذراعه ..
فانغلقت العيون وغابت الأصوات سوى أصوات التنهدات ..
ثم طبع قبلة طويلة على شفتيها فارتخت أساريرها ..
فلما فتح هو عينيه فوجئ بنورها يغمر المكان ويحول الليل البهيم الى بقعة مضيئة ..
فتحت هي عينيها وقد استغربت توقفه فقالت :
بخيلٌ أنت أم مللتَ المقاما ؟
قبلةٌ وحيدة ؟ أليس حراما ؟
فزد عليها وابلغ المراما
وأرح شفاهي من نارِ الغراما
إبتسم هو فقرب رأسه وقبّلها ثانية فتسارع نبضها فلما رفع شفتيه .. تأثرت هي فدمعت عيناها وقالت :
أقدرتَ فقط على قبلتينِ
ظلمتَ شفاهي مع الوجنتينِ
وأسلتَ الدمعَ من المقلتينِ
فأطبِق شفاهك على الشفتينِ
عاد هو وقبّلها ثالثة ثم أبعد رأسه بسرعة وكأنه يتعمد إغاظتها ليستمتع بردة فعلها فاستائت هي وقالت :
أراك تزهو سعيداً بشقائي
أهكذا تصنعُ بعد طولِ لقائي
قبّل مزيداً إن أردتَ بقائي
فزعلي طويلٌ وعليك اتقائي
ضحك هو وقال :
حبيبتي غير راضية .. لأسعدنّها ولأقرنّ عينها حتى ترضى ..
ثم قبلها رابعة وابتعد فغضبت وقالت :
مغرورٌ حبيبي فظٌ متباه
ما أغربَ أمورهُ واعجباه
قد عشقَته شفاهي يا رباه
يريدُ هجرها وتريدُ قرباه
قبلها الخامسة واكتفى فقالت بانكسار :
تثيرُ عجبي مراراً وربي
تسيلُ عيني وتغيظُ قلبي
تظلمُ حقي وتطلبُ حبي ؟
دعتك شفاهي إليها فلبّي
قبلها السادسة واعتذر فزعلت وقالت :
أحببتَ زعلي أم عشقتَ خصامي
هجرتَ رضائي ورميتَ كلامي
مررتَ بشفاهي مرورَ الكرامِ
أغاظك شكلي أم سائك قوامي
قبّل شفتيها للمرة السابعة على عجل فقالت بحزن :
أقولها جهراً وبكلِ صراحة
بلسانٍ سليمٍ شديدِ الفصاحة
حبيبي شحيحٌ رديفُ الوقاحة
أريدها شفاهاً لا تعرفُ الراحة
قبلها ثامنة ورفع رأسه فبكت وقالت :
طمستُ عيوني عليك بكاءا
جهاراً بكيتك صباحاً مساءا
فجوعاً تردّى مقامي وساءا
وها أنت تهجرُ شفاهي جفاءا
قبلها تاسعة وتوقف فقالت بنفاد صبر :
حرامٌ عليك هذا المسرى
جعلتَ روحي تُباعُ وتُشرى
قبّلتَ تسعاً فاجعلها عشرا
وزفّ لقلبي تمامَ البشرى
قبلها العاشرة قبلة قصيرة فقالت بتعجب :
إذا دعتني شفتيه لقبلة .. فوراً أقترب
فتبردُ شفاهي طورا .. وطوراً تلتهب
فإن جفاني ولم يزدها .. حالاً أكتئب
حبيبي ملّ شفاهي .. وعنها محتجب
هناقبلها قبلة طويلة حتى اقتنعت هي أخيرا فقالت بتميّع :
قلبي ولهانٌ وقلبك لاهي
فكري مشغولٌ وفكرك ساهي
بدرك ساطعٌ ونورك زاهي
شهدُ شفاهك شفاءٌ لشفاهي
قبلها أخرى مثلها فقالت بسعادة :
قلبي من حبك لا يشبعُ
وصدري بضمك لا يقنعُ
قبلاتك فنونٌ ما أمتعُ
شهدٌ ، شفاهك ولا أروعُ
قبلها ايضا فقالت بصوت يرنّ فرحا :
حضنك أمانٌ لا يُعلى
وحسنك جديدٌ لا يبلى
ورحيقٌ ، رضابك أم سكر
وشفاهك عسلٌ بل أحلى
زادها قبلة فقالت بسرور بالغ :
بريقُ عيونك ما ألمعها
وجميلُ خصالك ما أبدعها
بهرتني شفاهك ما أروعها
زد قبلاتك فما أمتعها
ثم أوغل في وجهها وعنقها تقبيلا حتى بلغا الذروة في شدة البهجة فقالت :
أبحرَ حبيبي في مقلتيا
فقام بعد التي واللتيا
ورص شفتيهِ على شفتيا
وصال وجال في وجنتيا
هنا قبل هو شدقيها فتفاجئ مبهوراً عندما وجد ان مذاق رضابها قد أضحى بالفعل كالرحيق أو ألذ .. فزاد من تقبيلها مستمتعا ..
وكلما زادها قبلة أتحفته هي برباعية من الشعر .. حتى بلغ تمام المائة قبلة ..
وهما في أوج السرور وأسماه وأبهاه وأعظمه ..
فلم يشعرا إلا والفجر قد بزغ معلناً نهاية ليلتهما الخالدة ..
❤❤❤❤❤❤❤
هنا .. وأمام أنظار الحبيبين ..
خرج أمامهما من البحر حوت كبير !!!
فتح الحوت فاهه فخرجت منه الحورية العجوز وبرفقتها غسق ..
نظرت غسق الى فجر وقالت بدموعٍ جارية :
أختاه .. ها قد وجدتكِ أخيرا ... آهٍ لو علمتي مقدار جزعنا عليكِ أنا وأبي ..
فجر حبيبتي يجب أن تعودي معنا الآن قبل فوات الأوان ..
هنا قالت العرافة :
أخشى أننا قد تأخرنا .. أنظري الى توهجها .. لقد تعدت الحد الذي لا يمكن الرجعة بعده ... إنها على وشك الإرتقاء والتسامي ..
نهضت فجر وقالت بصوت يذيب القلوب من سحر وقعه :
لا بأس عليكِ يا غسق .. كوني حورية طيبة محبة للآخرين ..
أما أنا فقلبي مطمأن للغاية لأني وجدت هدفي في الحياة ..
ثم مدت يدها وأمسكت بيد نسيم فوقف قبالها يتطلع إليها برهبة وقد غمره وهجها فسرت عدوى الطمأنينة الى قلبه فأحس بالنعيم يملئ كيانه ..
هنا حضر الأب الزعيم على ظهر قرشٍ ضخم وبرفقته شعب الحور وشاهد ابنته وعلم بمآلها فبكى ورثى حالها فنظرت إليه فجر بمودة وقالت :
لا تبكي بعد هذا يا أبتاه ..
فدموعك عزيزة علي وغالية ...
أنا لن أذهب بعيدا ..
بل سأظل أرقبكم جميعاً من مكاني ..
إذا اشتقتم إلي تفقدوا قلوبكم .. فستجدوني أحيا فيها ..
إذا ابتسمتم او ضحكتم يوما ..
فتذكروني ..
لأني سأفرح لفرحكم وأسعد لسعادتكم .. دائما ..
سالت دموع فجر على خديها بشكل جذاب كنظام اللؤلؤ المكنون وقالت :
إن شاهدتم منظرا جميلا ..
أو أحسستم بدفئ الحب يغمر قلوبكم ..
فاعلموا أني ساكون هناك ..
في ذلك المكان ..
حيث يقترب الحلم من حدود الحقيقة ..
أشعر بكم ..
وأتأثر معكم ..
ثم التفتت ونظرت الى نسيم ومدت وجهها إليه فقبلت جبينه ..
ثم تركت يديه وقالت له بصوتها الملائكي الأخّاذ :
الوداع الآن يا حبيبي ..
ها قد حان وقت الرحيل ..
شكراً لك على الوقت الذي قضيته معي ..
شكراً على كل شيئ ..
هنا غطى فجر وهجٌ بهي بشكل كروي حتى أصبحت كأنها داخل شرنقة من نور ..
ثم أرتفعت قدماها عن الارض .. فنظرت الى نسيم وقالت بوجل :
حبيبي انا خائفة .. أبقي عيناك علي حتى أتمتع بهما فيزول خوفي ..
اراد نسيم ان يعانقها فمنعه جدار النور .. فبكى وقال :
حبيبتي كلا ... لا ترحلي ..
قالت باكيةً هي الأخرى :
لا يا نسيم .. لا تحاول ..
أخذت فجر ترتفع أكثر والريح حولها تشتد والبحر يضطرب .. فرفعت صوتها قائلةً لنسيم :
أحبك يا نسيييييييييييم ..
ثم خف صوتها وقد احمرت عيناها بكاءا :
أحبك يا نسيم ..
أحبك يا حبيبي ..
الوداااااااع .......
عم الجو ضباب غير طبيعي ثم اختفت فجر في داخله أمام أنظار الجميع ..
استمر الحال هكذا بضع دقائق ثم انقشع الضباب وهدئ البحر .. لكن فجر لم يعد لها وجود ..
سقط نسيم على ركبتيه ثم استقبل الأرض براحتيه وأخذ يذرف الدموع وهو يلهج بأسم فجر على لسانه ثم قال :
إحساسُ الخسارةِ أليمُ الوقوع
لفقد الغوالي فلتبكي الجموع
ففراقُ الحبيبةِ أسالَ الدموع
وناراً تلظّى في الحشا والضلوع
وهكذا رحلت فجر ..
فعاش الجميع يوماً حزيناً لفقدان أميرتهم المحبوبة ..
فجر التي لم تأتي قبلها ولن تأتي بعدها في تاريخ الحوريات من هي مثلها في روعة قلبها ..
وعمق حبها ..
بقي شعب الحور متألمين ومشدوهين لذلك الموقف ولم ينتبهوا الى أنهم قد أمضوا ساعات وهم خارج الماء .. يتنفسون بشكل طبيعي دون صعوبة ..
هنا صاحت العرافة :
هذه هي .. إنها الطفرة في جنسنا ... بإمكاننا أخيراً أن نعيش على اليابسة دون مشاكل .. حالنا كحال البشر .. بسبب تضحية أميرتنا الغالية ..
ورغم روعة هذا الأمر .. إلا أن السعادة لم تجد طريقها في ذلك اليوم الى قلب أحد ..
❤❤❤❤❤❤❤
مرت الشهور بعد ذلك ..
استوطن شعب الحور خلالها الجزر وشطئان البحار وأصبحوا من ضمن أمم أهل الأرض ..
اما نسيم ..
فإنه قد سكن بيته القديم في المدينة مع أمه ..
وعاد الى مزاولة التجارة ..
مفضلاً الابتعاد عن أجواء البحر .. لأنها تجر الى قلبه شعوراً بالحنين الطاغي ..
فيسبل مدامعه كلما رأى البحر .. أو شم هواءه ..
ورغم ذلك فإنه لم ينسى ..
لأنه إن تخطى المكان فكيف يتخطى الزمان ؟؟
إذ كلما استيقظ فجراً تذكر حبيبته فجر ..
فيبدأ يومه بدمعة .. وبيتين من الشعر في ذكراها ..
بعد ستة أشهر ..
ذهب نسيم الى عمله كعادته ..
وبينما كان يتناقش مع أحد العملاء .. إذ لمح سيدة وهي ترتدي قلادة على شكل حورية ..
شعر نسيم بالضيق فجأة فقطع نقاشه مع الرجل وغادر مسرعا ..
أحس نسيم برغبة عارمة لرؤية البحر ..
والجلوس على صخرة الملتقى ..
تماماً كما اعتاد أن يفعل في الأيام الخوالي ..
ترك عمله في صبيحة ذلك اليوم .. ثم ودع والدته واستقل عربة وسافر في الطريق البري الى قرية الصيادين ..
في اليوم التالي وصل نسيم الى وجهته ..
فطفق يتمشى على الساحل مستذكراً أيامه الجميلة في القرية حتى وصل الى صخرة الملتقى وقد أشرفت الشمس على المغيب ..
جلس على الصخرة وأخذ ينظر الى البحر وأمواجه .. ثم انشد يقول بدموع ساكبة :
أردد إلي يا بحر الحب أشواقي
وخذ دمعاً سال من صلب أعماقي
منحتني فجراً فيا خير ما تمنح
فهلّا أعدت شخصها وحبها الراقي
هنا لمح نسيم شيئاً يسبح تجاهه وقد أرسلت الشمس آخر أشعتها .. فوقف يتأمله ... فأذا هو دولفين أخرج رأسه قليلاً ثم غادر على عجل ..
أراد نسيم أن يعود .. لكنه فجأة ... شعر بطمأنينة عجيبة ..
فقد شعر بشعور من قابل عزيزاً على قلبه بعد طول غياب ..
- فجر ... أأنتي هنا ؟؟
قالها نسيم وهو يتلفت حواليه ..
ثم عاد لنفسه وقال :
هل جننت من حب فجر ؟؟ ماذا سيظن الناس عني لو رأوني بتلك الحالة ؟؟
هنا سمع نسيم صوت في رأسه يقول :
لا ... لست بمجنون ..
انشده نسيم وقال :
ذلك الصوت .. ليس بغريب عني .. إنه صوت فجر .. بلى والله إنه هو ... لكن هل مازلت أتخيلها في رأسي ؟؟
هنا عاد نسيم الى سماع الصوت مجددا :
هاهاهاهاها ... لا يا حبيبي .. انت لا تتخيل ..
جلس نسيم في مكانه على الرمال وقال :
لن أتحرك الليلة من مكاني حتى أتأكد .. هل أنا مجنون ام ماذا ؟؟
هنا أخذ نسيم يشم رائحة عطرة ذكرته بفجر .. ثم سمع صوت خطوات من خلفه آتية من جهة البحر ...
تلاها أن شعر بنور يزيح الظلمة بدأ يقترب رويداً رويدا ..
إلتفت ببطئ فأذا به يرى مشهداً يخلب الابصار ..
فلقد رأى فجر وقد تضاعف جمالها وهي تقف حافيةً على الرمال بثوبها الهلامي الشفاف وتنظر إليه مبتسمة ..
فرك نسيم عينيه وأعاد النظر فسمعها تقول :
نعم .. إنه أنا .. ها قد عدت مجددا ..
إقترب منها ..
لمسها ..
ففاحت الرائحة العبقة ..
هنا دمعت عيناه وقد تأكد منها فقال :
يا إلهي إنه أنتي حقا ..
ثم مال عليها وعانقها بقوة ..
فاستسلمت لأحضانه ..
وسالت المئاقي بدموع الفرح ..
ثم أمسكها من كتفيها ونظر إليها ملياً وقال بلهفة :
حبيبتي فجر .. أحقاً أمتع عيناي برؤياكِ في هذه اللحظة ..
هل عدتي لتبقين ؟؟ أم ماذا ؟؟ أخبريني فلم أعد أفهم ..
حبيبتي اعذري ذهولي فلا زلت غير مصدق الى الآن ..
أمسكت هي راحة يديه فقبلتهما ووضعتهما على خديها ثم ضحكت وقالت :
إنه نعم .. لقد عدت لأبقى معك يا حبيبي ..
لن أتركك بعد الآن .. ستبقى لي وأنا لك ولا شيئ سيفرق بيننا إلى ما شاء الله ..
حملها ورجلاه لا تسعانه من الفرحة وركض بها على الشاطئ فصرخت من فرط السعادة حتى سقطا في البحر ..
ثم عادا الى صخرة الملتقى فاتكأ عليها جالساً بينما أسندت هي رأسها على صدره .. فأخذ يشم عبق العبير المنبعث من شعرها وقال :
كيف كان المكان الذي جئتي منه ؟
قالت :
كان عالم كله أنوار .. وكنت أنا من أجلى أنواره .. عالم هو الوجه الآخر لعالم الطبيعة .. والمسيطر عليه ..
لكنهم قرروا الرضوخ عند طلبي وإعادتي مع احتفاظي بامتيازاتي وزيادة بسببك ..
قال مستغربا :
أنا ؟؟
قالت :
أجل أنت ..
فأنت الوحيد الذي لم ينقطع عن ذكري ولا ساعة .. لذا سمحوا لنا أن نجتمع مجددا ..
لكن بما إنك غير مسموح لك أن ترتقي لعالمي .. لذا طلبت أنا أن أتنازل وأهبط إليك فوافقت تلك الأنوار العظيمة ..
وها أنا الآن هنا ..
بين ذراعيك ..
أستمتع بكل لحظة معك .. حتى آخر عمري ..
قال متأثرا :
تركتي النعيم والخلود الأبدي حتى تقضي وقتكِ معي ؟؟
قالت :
بل أنت النعيم وفراقك عذابٌ أليم .. ولحظة واحدة أقضيها بقرباك تساوق الخلود عندي ..
ثم أنشدت :
أنت جنتي ونعيمي
وبعدك ناري وجحيمي
ولحظةٌ مرت بدونِك
كوقعِ سياطٍ من حميمِ
حبك جارٍ في عروقي
يحكمُ في عِرق الصميمِ
قبلةٌ منك خلودي
وحضنك داري ونديمي
تطلع هو الى جمالها المبهر للعقول وقال :
حوريةٌ أنتي نزلت من الجنانِ
عطرها فاق شذى زهرِ الجنانِ
فاشفقي على عقلي من الجنانِ
وترفقي بي .. وبقلبي الحنونِ
قالت :
يومَ عدتُ لعناقهِ .. هو يومُ سعدي
فلا أسعد مني أتى .. ولا جاء بعدي
أحبني فأحببته .. إذن فالحبُ معدي
أعشقهُ يا ناس .. وأهواهُ بجنونِ
قال :
قد مال في هواها القلبُ أشدَ الميول
فجال عشقها في دمي مجرى السيول
والسعادةُ جرت بقلبي جري الخيول
عشقي أنتي ولو .. بعد مئات السنونِ
قالت :
محلاك يا حبيبي ثم ما أحلاك
ما أسماك في قلبي وما أعلاك
إن أنسى نفسي قط فلا أنساك
ضممتك في قلبي .. وأحداقِ العيونِ
أشرقت على وجهه ابتسامة جميلة ..
نظر الى عينيها ..
أمسكها من خديها ..
قربها إليه ..
ثم مال على شفتيها ..
وقبّلها بشدة ..
النهاية