أخر الاخبار

قصة قصيرة : حُلمة اللَّهاية.. فاضل العباس العراق

حُلمة اللَّهاية
كانت المرأة التي تلف بالجسد المسجى والذي فارق الحياة وهو يسبح ببركة دم لازالت ساخنة تدور بعينيها، تغرس رأسها بصدره لتملأ رئتيها بعطر جسده تتلمس بيديها تلك المساحة الضيقة من صدره ، تلثمها تسحب نفساً عميقا تريده أن يصل شغاف قلبها. مازالت الحرارة في أوصاله فتحت أزرار القميص  أو ربما كان هو قد فتحها ليُريَّ قاتله أنه أعزل لا يحمل قطعة سلاح لمجابهته سوى صدر عاري.
تُدَوّر الجسد في كل ناحية، تغسله بهطيل غيوم عينيها .تلقم فم الجرح الفاغر (الفوطة) لعله يشبع فيتوقف ذلك الينبوع المتدفق.
لم تستوعب الموقف والحالة الصادمة حين قَصَرَ متوحش، متعطش للدماء المسافة والزمن فيأخذه الموت بعيداً عنها.تتسائل، تحدث نفسها مذهولة، شاردة البال لعالم آخر غير مصدقة ما حصل. تصرخ، تأن، تولول، يعلو صراخها.
ولدي !ولدي! أي قطعة من جسدك أستقبلت رصاصة المجرم ؟ياليتها كانت في قلبي. 
تعال أليَّ؟ تعال الى حضن أمك أدفيك فيه أعرف أنك لاتستحمل البرد. هَلُمَ أليه لطالما كنت فيه كزغلول في عشه  تتقلب متمرداً ، مدللاً، أيام تلقُمُ أبهامك، تمصه بشدةٍ تريد أن تستخرج عصارته فألقمك حلمة ثديّ وأقول: دع الأبهام فأنه غير نظيف وخذ هذا؟ أنه أشهى ، ألذ وأنفع لك.لكنك ترفض وتصرُ على أن تنام وهو في فمك. آه  كم أستخدمتُ عدة  وسائل،  وجربتُ نصائح أشارت عليّ بها جاراتي على أن تترك هذه العادة، حتى مرارة السمك طليتُ بها أبهامك لكنها لم تفلح لم أحسب أن يوماً كهذا سيأتي تذوق فيه مرارة أشد.
 آه، آه، آه ياصغيري أتذكر يوماً قطعتُ حلمة اللهاية فقلتَ بنبرة أستغراب طفولية ولِكْ ماذا فعلتِ بها؟ أعضيتيها؟ فضحكت حتى سقطتُ على قفايَ من الضحك. آخ لم تسعني الفرحة حين وقفتَ فصرختُ مصليةّ على النبي. قف! قف! يألله. أجري! أجري ! وأنت تخطو اول خطواتك في هذه الدنيا البشعة.
آه ياولدي  كنت أنظر أليك خُفية وانت تمشط شعرك وتَفْرقهُ من منتصفه لقد صرت شابا جميلاً وأردد فَرِحةً لقد أصبح ولدي شابا ستعشقه الفاتنات لجماله . أتلذذ بتمسيد شعرك  بأصابعي كأنه حقل قمح  حين تضع رأسك على فخذي أقول أنه يشبه أباه بشعره و مناخيره وفتحة فمه. تغادر المنزل تودعك عينايّ بفرحة  وقراءة آيات قرآنية وأدعية بمصاحبة السلامة واتوسل أليك أن  لا تتأخر. لا اصدق أنك ترحل يوما بعيداً.
آخ، آخ ما أقساها تلك اللحظة وما أرعبها من جملة حين جاؤا بالخبر.
أبنك سقط في تظاهرات اليوم.
لماذا قتلوك؟ لماذا؟ لماذا؟  ومنْ هم؟ أي أسباب دعتهم ينحرونك، يغتالونك وينسبون الفعل لمجهول. ليتني مت وكنت ترابا وعظاما قبل أن أسمعها (يابعد أهلي، يمه ،يايمه، يابعد أبوي، وأمي يايمه وين صوابك وين وجعك يمه يالوحيد يايمه)  بهذه الكلمات لأم مفجوعة، موجُعة ، بفقد وحيدها. شاب في أول سنوات شبابه عشريني العمر، أمر متوحش أن يصرعه وهو يصرخ: بالروح بالدم نفديك ياوطن ويرفع راية  الوطن ولافتة كُتِبَ عليها  نريد وطن.
 قاتلٌ صرعه، ظنا منه انه سيفقده هذا النداء  كرسيهِ في وطن حوله الى خرائب. كان يائساً من الحياة وعاطلاً عن العمل بل عن الحياة. تمرد على زمن بلا هدف ولا مستقبل ،مجهول لتجد رصاصة مفترسة متعطشة لرائحة الدم طريقها بين أظلاعه فتستقر بقلبٍ كتفاحة نضجت تواً.
فاضل العباس العراق 


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-