منقول عن صفحة الدكتور عدنان الوحيدي
في عشية ذكرى مرور عام كامل لتدمير العمارة التي كنت أسكن فيها
هناك أناس يظل الواحد منا مدينا بعد الله عز وجل لهم ما بقي حيا حتى آخر عمره .... القصة المعروفة عندما وجدت على جوالي 14 مكالمة من أخي وجاري العزيز "أبي المنذر تربان" (الموظف في السلطة الوطنية الفلسطينية) لم أسمع منها كلها إلا الاتصال الأخير الذي رددت عليه، حيث إن الذي نبهني لها هو وميض الجوال وليس الصوت التقليدي للجهاز، فقد كان مكتوما بقصد مني في الثانية من بعد منتصف الليل لكي أستطيع النوم ولو لساعتين قبل الفجر ... ومن ثم استيقظت وعلمت منه في المكالمة الأخيرة (رقم 14) أن العمارة التي أسكن إحدى شققها مستهدفة بالقصف وأن عليَّ أن أغادر على الفور، وبالفعل كنت آخر المغادرين. كان من الممكن أن يستبقني القصف حيث إنني ما إن خرجت وابتعدت بسيارتي حتى دك العمارةَ الصاروخ الذي جعلها كثيبا مهيلا تتصاعد منه ألسنة اللهب والدخان الكثيف الخانق.
لن أتحدث عما جرى حينها فقد سبق أن أوسعناه حديثا وبكل التفاصيل عبر وسائل الإعلام وغيرها، ولكني أقول إن الله يسخر بفضله من خلقه أُناسا لهم مواقف هي قمة الشهامة والمروءة والنبل والرجولة لكي يفعلوا الخير ويفوزوا بالثواب الأبقى ويحتلوا مكانتهم في القلوب.
كان باستطاعته الابتعاد لمكان آمن ينجو به من الشظايا والحطام المتناثر القاتل لو أن الضربة سبقت نجاتي بالمغادرة في اللحظات الأخيرة بقدر الله وفضله ولطفه، ولكن أَبَىْ أخي "أبو المنذر تربان" أن يترك المنطقة برغم فرار الجميع (ولهم العذر قطعا) بعد وصول المعلومات عن نية الإسرائيليين تدمير العمارة، ولكنه ظل يتابع اتصالاته معي وبإصرار شديد حتى رددت عليه وكتب الله عز وجل لي النجاة. صحيح أن الأجل لم يأت بعد، ولكن في أفضل الأحوال كان من المحتمل أن أكمل ما بقي لي من العمر واكتمال الأجل معاقا أو مشلولا أو مهشما أو أن أفقد ذاكرتي أو قدرتي الجسدية والعقلية وأن تكون حياتي عبئا على غيري. إن حياة كهذه هي مزيجٌ من الذل والهم والغم والألم والعزلة، وتتبدل فيها حتى مع الصبر والاحتساب عزةُ النفس والكرامة بالحسرة والإحساس بالهوان والضعف واحتمال نظرات الإشفاق التي قد تستمر عدة أسابيع ثم يصبح الواحد بعد ذلك نَسياً منسيا كالأموات، رغم تردد أنفاس الحياة في صدره ولكنه طريح الفراش وأسيره ما بقي من العمر. ولربما كان الوضع أصعب من ذلك حتى يقول أعز الناس (ربنا اقبضه إلى جوارك فأنت أرحم به من الناس، اللهم خفف عنه وهون عليه فإن حاله مؤلم فارحمه برحمتك فإنه مسكين وقد تعب وأتعب من هم حوله) ...
هنا تتجلى رحمة الله العلي الكريم العظيم وفضله وكرمه و قدرته وهنا مواقف الذين زخرت نفوسهم وطباعهم وأفعالهم ومواقفهم بالرجولة والنخوة و الانتماء.
نعم هي قدرة الله بلا ريب وإرادته ولكن بقَدَرِهِ وفضله جعل من بين البشر من يسطرون أسماءهم في القلوب كأبي المنذر مضافة لما يربطنا سوياً من وشائج الصلة العريقة منذ القِدَمْ ... ستظل سيرتك ومحبتك وموقفك أخي الحبيب أبا المنذر متغلغلةً في أعماق وجداني ما دام العمر باقياس.... جعل الله ما قمت به في موازين أعمالك تلقى بها ربك بأنك كنت من أسباب الله تعالى ورحمته ولطفه في إنقاذ حياتي من الموت أو الإعاقة في أهون الأمور .... اللهم لك الحمد والثناء أسجد لك شاكرا فضلك راضيا بقضائك وقدرك وإن ما دُمر فسوف يُعمَّر وما تم ضياعه فسيعوض ولكن تبقى رحمة الله وفضله مقرونة بالثناء عليه والتسبيح بحمده وفضله ... وتبقى لبعض الناس الصورة البهية المبهجة تتلألأ في القلب والعقل والعين أمدا بعيدا .. حياك الله أخي "مازن تربان أبا المنذر"
في عشية ذكرى مرور عام كامل لتدمير العمارة التي كنت أسكن فيها
هناك أناس يظل الواحد منا مدينا بعد الله عز وجل لهم ما بقي حيا حتى آخر عمره .... القصة المعروفة عندما وجدت على جوالي 14 مكالمة من أخي وجاري العزيز "أبي المنذر تربان" (الموظف في السلطة الوطنية الفلسطينية) لم أسمع منها كلها إلا الاتصال الأخير الذي رددت عليه، حيث إن الذي نبهني لها هو وميض الجوال وليس الصوت التقليدي للجهاز، فقد كان مكتوما بقصد مني في الثانية من بعد منتصف الليل لكي أستطيع النوم ولو لساعتين قبل الفجر ... ومن ثم استيقظت وعلمت منه في المكالمة الأخيرة (رقم 14) أن العمارة التي أسكن إحدى شققها مستهدفة بالقصف وأن عليَّ أن أغادر على الفور، وبالفعل كنت آخر المغادرين. كان من الممكن أن يستبقني القصف حيث إنني ما إن خرجت وابتعدت بسيارتي حتى دك العمارةَ الصاروخ الذي جعلها كثيبا مهيلا تتصاعد منه ألسنة اللهب والدخان الكثيف الخانق.
لن أتحدث عما جرى حينها فقد سبق أن أوسعناه حديثا وبكل التفاصيل عبر وسائل الإعلام وغيرها، ولكني أقول إن الله يسخر بفضله من خلقه أُناسا لهم مواقف هي قمة الشهامة والمروءة والنبل والرجولة لكي يفعلوا الخير ويفوزوا بالثواب الأبقى ويحتلوا مكانتهم في القلوب.
كان باستطاعته الابتعاد لمكان آمن ينجو به من الشظايا والحطام المتناثر القاتل لو أن الضربة سبقت نجاتي بالمغادرة في اللحظات الأخيرة بقدر الله وفضله ولطفه، ولكن أَبَىْ أخي "أبو المنذر تربان" أن يترك المنطقة برغم فرار الجميع (ولهم العذر قطعا) بعد وصول المعلومات عن نية الإسرائيليين تدمير العمارة، ولكنه ظل يتابع اتصالاته معي وبإصرار شديد حتى رددت عليه وكتب الله عز وجل لي النجاة. صحيح أن الأجل لم يأت بعد، ولكن في أفضل الأحوال كان من المحتمل أن أكمل ما بقي لي من العمر واكتمال الأجل معاقا أو مشلولا أو مهشما أو أن أفقد ذاكرتي أو قدرتي الجسدية والعقلية وأن تكون حياتي عبئا على غيري. إن حياة كهذه هي مزيجٌ من الذل والهم والغم والألم والعزلة، وتتبدل فيها حتى مع الصبر والاحتساب عزةُ النفس والكرامة بالحسرة والإحساس بالهوان والضعف واحتمال نظرات الإشفاق التي قد تستمر عدة أسابيع ثم يصبح الواحد بعد ذلك نَسياً منسيا كالأموات، رغم تردد أنفاس الحياة في صدره ولكنه طريح الفراش وأسيره ما بقي من العمر. ولربما كان الوضع أصعب من ذلك حتى يقول أعز الناس (ربنا اقبضه إلى جوارك فأنت أرحم به من الناس، اللهم خفف عنه وهون عليه فإن حاله مؤلم فارحمه برحمتك فإنه مسكين وقد تعب وأتعب من هم حوله) ...
هنا تتجلى رحمة الله العلي الكريم العظيم وفضله وكرمه و قدرته وهنا مواقف الذين زخرت نفوسهم وطباعهم وأفعالهم ومواقفهم بالرجولة والنخوة و الانتماء.
نعم هي قدرة الله بلا ريب وإرادته ولكن بقَدَرِهِ وفضله جعل من بين البشر من يسطرون أسماءهم في القلوب كأبي المنذر مضافة لما يربطنا سوياً من وشائج الصلة العريقة منذ القِدَمْ ... ستظل سيرتك ومحبتك وموقفك أخي الحبيب أبا المنذر متغلغلةً في أعماق وجداني ما دام العمر باقياس.... جعل الله ما قمت به في موازين أعمالك تلقى بها ربك بأنك كنت من أسباب الله تعالى ورحمته ولطفه في إنقاذ حياتي من الموت أو الإعاقة في أهون الأمور .... اللهم لك الحمد والثناء أسجد لك شاكرا فضلك راضيا بقضائك وقدرك وإن ما دُمر فسوف يُعمَّر وما تم ضياعه فسيعوض ولكن تبقى رحمة الله وفضله مقرونة بالثناء عليه والتسبيح بحمده وفضله ... وتبقى لبعض الناس الصورة البهية المبهجة تتلألأ في القلب والعقل والعين أمدا بعيدا .. حياك الله أخي "مازن تربان أبا المنذر"