في راهن العلاقة بين إسرائيل وأميركا وماضيها- معين الطاهر
25 أغسطس/آب 2019 العربي الجديد
تترادف مفردتا الصهيونية والإمبريالية الأميركية، أو إسرائيل وأميركا، في الوجدان السياسي العربي. ونادرًا ما تُذكر إحداهما من دون اقترانها بالأخرى، ويرجع ذلك إلى التاريخ الطويل من التأييد والمساعدات والدعم الأميركي اللامحدود للكيان الصهيوني في فلسطين، حتى أصبح الحديث عن تلك العلاقة العضوية ما بينهما بمثابة مسلّمة في السياسة العربية، أكان ذلك لدى النظام العربي الرسمي الذي اعتبر على الدوام أن 99% من أوراق الحل والربط في يد الولايات المتحدة الأميركية، أم عند قوى المقاومة والمعارضة التي اعتبرتهما جبهة واحدة، لا يمكن اختراقها أو التأثير فيها، وأن العداء لأحد أطرافها يوجب العداء للطرف الآخر. وهي المعادلة التي تحاول هذه المقالة الغوص فيها، والتأكد منها، في محاولة لتتبع تطورها، وإدراك مخاطرها، واستشراف إمكانات تحوّلها "النسبي" ضمن التطورات التي تحيق بالمنطقة وبالقضية الفلسطينية.
دفعت إدارة الرئيس دونالد ترامب العلاقات الأميركية - الإسرائيلية إلى مرحلة جديدة واكبت رؤية مختلفة بشكل جوهري عن الإدارات التي سبقته للقضية الفلسطينية والمنطقة ودور إسرائيل فيها، إذ تجاوز الرئيس الأميركي، ترامب، مواقف من سبقوه، عندما اعترف بالقدس عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، كما اعترف بضمّها الجولان السوري المحتل، وسعى جاهدًا إلى إلغاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وأعلن عن نيته إطلاق ما عُرف بصفقة القرن، لتسوية الصراع العربي - الصهيوني، على قاعدة حل اقتصادي متوهَّم وممول من أنظمة عربية، سعى لترويجه عبر ورشة فاشلة عُقدت في المنامة.
تقوم الفكرة الرئيسة لمشروع ترامب على إلغاء جميع المرجعيات والقرارات والمبادرات السابقة لحل هذا الصراع، بما فيها التي التزمت بها الإدارات الأميركية على مرّ العقود، وإيجاد قواعد جديدة لعملية السلام يحكمها منطق فرض الأمر الواقع والاعتراف به كحقائق قائمة لا سبيل لتغييرها، بالاستناد إلى منطق القوة، وليس إلى منطق الحق والعدل والشرعية الدولية.
الثابت أن هذه المبادرة، والتي يتم تعديلها باستمرار لتتواءم ورغبات رئيس الحكومة
دفعت إدارة الرئيس دونالد ترامب العلاقات الأميركية - الإسرائيلية إلى مرحلة جديدة واكبت رؤية مختلفة بشكل جوهري عن الإدارات التي سبقته للقضية الفلسطينية والمنطقة ودور إسرائيل فيها، إذ تجاوز الرئيس الأميركي، ترامب، مواقف من سبقوه، عندما اعترف بالقدس عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، كما اعترف بضمّها الجولان السوري المحتل، وسعى جاهدًا إلى إلغاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وأعلن عن نيته إطلاق ما عُرف بصفقة القرن، لتسوية الصراع العربي - الصهيوني، على قاعدة حل اقتصادي متوهَّم وممول من أنظمة عربية، سعى لترويجه عبر ورشة فاشلة عُقدت في المنامة.
تقوم الفكرة الرئيسة لمشروع ترامب على إلغاء جميع المرجعيات والقرارات والمبادرات السابقة لحل هذا الصراع، بما فيها التي التزمت بها الإدارات الأميركية على مرّ العقود، وإيجاد قواعد جديدة لعملية السلام يحكمها منطق فرض الأمر الواقع والاعتراف به كحقائق قائمة لا سبيل لتغييرها، بالاستناد إلى منطق القوة، وليس إلى منطق الحق والعدل والشرعية الدولية.
الثابت أن هذه المبادرة، والتي يتم تعديلها باستمرار لتتواءم ورغبات رئيس الحكومة
"علاقة ترامب بنتنياهو لن يكون حالها أفضل من علاقة زعماء غربيين مع دولة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا"
|
الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، واليمين الصهيوني المتطرّف التي لا تنتهي، ستتضمن اعترافًا بالاستيطان والاحتياجات الأمنية المزعومة، وستنسف بشكل نهائي ما عُرف بحل الدولتين، وتضمن سيطرة صهيونية مطلقة على مناحي الحياة كافة في المناطق الفلسطينية المحتلة.
لا تتطابق هذه السياسات غير المألوفة مع سياسات الإدارات السابقة المنحازة أيضاً لإسرائيل، ففي عام 1956، وقف الرئيس الأميركي دوايت إيزنهاور موقفًا حازمًا من العدوان الثلاثي على مصر، وأجبر الكيان الصهيوني على الانسحاب من سيناء وقطاع غزة. كما أن التسليح الأميركي للجيش الصهيوني لم يبدأ إلا بعد عام 1967، بعد أن كان السلاح المستخدم فرنسيًا. أما الرئيس الأميركي، رونالد ريغان، فقد أطلق مبادرته المعروفة باسمه، وتضمنت انسحابًا إسرائيليًا من الأراضي المحتلة، مع تعديلاتٍ متبادلة على الحدود، ووقف أمامها عائق التمثيل الفلسطيني، على الرغم من المحاولات العربية والفلسطينية لتوأمتها مع المبادرة العربية.
وفي حرب الخليج الأولى، أنهى الرئيس الأميركي، جورج بوش، دور إسرائيل شرطياً يحرس المصالح الغربية في المنطقة، عندما استثنت الولايات المتحدة الجيش الصهيوني من التحالف الواسع الذي أقامته، بل ومنعته من الرد على الصواريخ العراقية التي انطلق بعضها باتجاهه، وامتنعت عن استخدام الأراضي والأجواء التي يسيطر عليها الكيان الصهيوني في عملياتها العسكرية، ليعقب هذه الحرب مؤتمر مدريد القائم على معادلة الأرض مقابل السلام، والمستند إلى قراريّ مجلس الأمن 338 و242، وهي السياسة الرسمية الأميركية المعتمدة لدى جميع الإدارات الأميركية السابقة.
أضف إلى ذلك كله حكاية الوديعة التي أودعها رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين لدى الإدارة الأميركية، ويتعهد فيها بالانسحاب من الجولان السوري المحتل، شرطاً لبدء مباحثات سلام سورية – إسرائيلية. وإلى تمرير إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في نهاية ولايته قرارًا لمجلس الأمن يدين الاستيطان الصهيوني، في سابقةٍ لم تحدث سابقًا أو لاحقًا، إذ إن أكثر من 60% من الحالات التي استخدمت فيها الولايات المتحدة حق النقض في مجلس الأمن كانت تتعلق بالقضية الفلسطينية ولصالح الكيان الصهيوني.
سياسة ترامب الذي أصبح، كما يبدو، عضوًا في جناح نتنياهو في حزب الليكود، كما أصبح نتنياهو جزءًا من جوقة ترامب في الحزب الجمهوري، قائمة على نسف سياسة الدولة الأميركية بشكل كامل في قضايا داخلية وخارجية. ففي قضية الشرق الأوسط نسف السياسة السابقة المنحازة أصلًا، بما فيها جميع القرارات والمرجعيات، لتصبح هذه القضية من دون ملامح واضحة، تقرّرها شريعة الغاب وسياسات الأبارتايد والتمييز العنصري. في مسعى يهدف إلى إعادة دور الشرطي الإسرائيلي في المنطقة، عبر تطبيع علاقاته مع النظام العربي الرسمي، وعبر إحلال العداء مع إيران بديلًا لحالة التناقض مع العدو الصهيوني، وهي سياسة تتضح معالمها أكثر فأكثر كل يوم، وتنعكس على منطقتنا، كما تنعكس على السياسات الداخلية في أميركا.
جديد ما حرّر في هذا المجال كان انتقاد ترامب الأميركيين اليهود الذين يصوّتون للحزب
لا تتطابق هذه السياسات غير المألوفة مع سياسات الإدارات السابقة المنحازة أيضاً لإسرائيل، ففي عام 1956، وقف الرئيس الأميركي دوايت إيزنهاور موقفًا حازمًا من العدوان الثلاثي على مصر، وأجبر الكيان الصهيوني على الانسحاب من سيناء وقطاع غزة. كما أن التسليح الأميركي للجيش الصهيوني لم يبدأ إلا بعد عام 1967، بعد أن كان السلاح المستخدم فرنسيًا. أما الرئيس الأميركي، رونالد ريغان، فقد أطلق مبادرته المعروفة باسمه، وتضمنت انسحابًا إسرائيليًا من الأراضي المحتلة، مع تعديلاتٍ متبادلة على الحدود، ووقف أمامها عائق التمثيل الفلسطيني، على الرغم من المحاولات العربية والفلسطينية لتوأمتها مع المبادرة العربية.
وفي حرب الخليج الأولى، أنهى الرئيس الأميركي، جورج بوش، دور إسرائيل شرطياً يحرس المصالح الغربية في المنطقة، عندما استثنت الولايات المتحدة الجيش الصهيوني من التحالف الواسع الذي أقامته، بل ومنعته من الرد على الصواريخ العراقية التي انطلق بعضها باتجاهه، وامتنعت عن استخدام الأراضي والأجواء التي يسيطر عليها الكيان الصهيوني في عملياتها العسكرية، ليعقب هذه الحرب مؤتمر مدريد القائم على معادلة الأرض مقابل السلام، والمستند إلى قراريّ مجلس الأمن 338 و242، وهي السياسة الرسمية الأميركية المعتمدة لدى جميع الإدارات الأميركية السابقة.
أضف إلى ذلك كله حكاية الوديعة التي أودعها رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين لدى الإدارة الأميركية، ويتعهد فيها بالانسحاب من الجولان السوري المحتل، شرطاً لبدء مباحثات سلام سورية – إسرائيلية. وإلى تمرير إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في نهاية ولايته قرارًا لمجلس الأمن يدين الاستيطان الصهيوني، في سابقةٍ لم تحدث سابقًا أو لاحقًا، إذ إن أكثر من 60% من الحالات التي استخدمت فيها الولايات المتحدة حق النقض في مجلس الأمن كانت تتعلق بالقضية الفلسطينية ولصالح الكيان الصهيوني.
سياسة ترامب الذي أصبح، كما يبدو، عضوًا في جناح نتنياهو في حزب الليكود، كما أصبح نتنياهو جزءًا من جوقة ترامب في الحزب الجمهوري، قائمة على نسف سياسة الدولة الأميركية بشكل كامل في قضايا داخلية وخارجية. ففي قضية الشرق الأوسط نسف السياسة السابقة المنحازة أصلًا، بما فيها جميع القرارات والمرجعيات، لتصبح هذه القضية من دون ملامح واضحة، تقرّرها شريعة الغاب وسياسات الأبارتايد والتمييز العنصري. في مسعى يهدف إلى إعادة دور الشرطي الإسرائيلي في المنطقة، عبر تطبيع علاقاته مع النظام العربي الرسمي، وعبر إحلال العداء مع إيران بديلًا لحالة التناقض مع العدو الصهيوني، وهي سياسة تتضح معالمها أكثر فأكثر كل يوم، وتنعكس على منطقتنا، كما تنعكس على السياسات الداخلية في أميركا.
جديد ما حرّر في هذا المجال كان انتقاد ترامب الأميركيين اليهود الذين يصوّتون للحزب
"انتقد ترامب الأميركيين اليهود الذين يصوّتون للحزب الديمقراطي، معتبرًا أنه تصويت يمسّ بولائهم وانتمائهم"
|
الديمقراطي، معتبرًا أنه تصويت يمسّ بولائهم وانتمائهم، بعد رفض الحكومة الإسرائيلية زيارة عضوي مجلس النواب الأميركي، من الحزب، رشيدة طليب وإلهان عمر، الأراضي الفلسطينية، بتحريض من ترامب نفسه، ما أدّى إلى استنكار زعماء الحزب الديمقراطي، ومطالبة بعضهم، ومن ضمنهم المرشح للرئاسة (وهو يهودي) بيرني ساندرز، بوقف المساعدات الأميركية لإسرائيل، ما أوجد حالة من الرفض، حتى في صفوف اليهود الأميركيين ضد تغريدات ترامب الذي يعتبر أن ولاءهم مفترض أن يكون لإسرائيل، ما اضطرّهم مراراً إلى تذكيره بأنهم مواطنون أميركيون.
وعلى الرغم من إقرار قوانين تتعلق بمنع مقاطعة إسرائيل، وإصدار وزارة الخارجية الأميركية تعريفًا لـ"اللاسامية"، يمنع أي مقارنة بين جرائم النازيين وممارسات الاحتلال الصهيوني، إلا أن حملات المقاطعة الأكاديمية في الجامعات الأميركية تنمو باضطراد، وثمّة تحوّل لافت في صفوف الأميركيين اليهود من ممارسات الاحتلال وسياسات ترامب، وهي السياسات التي تعصف بنواحٍ مختلفة في الداخل الأميركي.
وفي منطقتنا، تحمل هذه السياسة من جهة بذورًا لخلافات لم تبرز بعد مع الجانب الإسرائيلي، ومصدرها جانبان: يتعلق الأول بأنه لا حدود للأطماع الصهيونية، ومهما تطابقت سياسات ترامب معها، ثمة مزيد يُطلَب منها دائمًا. أما الجانب الثاني، فهو المتعلق بالدور الإسرائيلي المطلوب في المنطقة، إذ تصطدم الولايات المتحدة التي تريد أن تستخدم إسرائيل شرطياً له مهمات في حماية بعض الأنظمة وفي مواجهة النفوذ الإيراني، هنا بعقبتين: أن إسرائيل لا ترغب في مواجهة النظام الإيراني منفردة، بل تسعى إلى إقحام الولايات المتحدة وأنظمة عربية أخرى في هذه المواجهة. وأن قدرة الولايات المتحدة على تطبيع علاقات النظام العربي مع الكيان الصهيوني تبقى محدودة، وأن بإمكان الجماهير العربية أن تُفشل مثل هذه المحاولات، وأن تعزل أصحابها.
قد يكون من أهم عوامل تغيير ميزان القوى الراهن العمل على تغيير مسار العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، وهذا ممكن، بالاستناد إلى المتغيرات المتوقعة داخل الولايات المتحدة ذاتها نتيجة السياسات الترامبية، وإلى إجهاض عمليات التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، والأهم هو الصمود الفلسطيني واستمرار المقاومة، حيث يكفل ذلك إبقاء جذوة القضية الفلسطينية مشتعلة. أما علاقة ترامب مع نتنياهو، فلن يكون حالها أفضل من علاقة زعماء النظام الغربي سابقًا مع دولة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، ولن تواجه غير المصير نفسه الذي سيواجه آخر نظام احتلال كولونيالي وأبارتايد وتمييز عنصري في العالم، وهو الأمر الذي يتعاظم في كل يوم.
وعلى الرغم من إقرار قوانين تتعلق بمنع مقاطعة إسرائيل، وإصدار وزارة الخارجية الأميركية تعريفًا لـ"اللاسامية"، يمنع أي مقارنة بين جرائم النازيين وممارسات الاحتلال الصهيوني، إلا أن حملات المقاطعة الأكاديمية في الجامعات الأميركية تنمو باضطراد، وثمّة تحوّل لافت في صفوف الأميركيين اليهود من ممارسات الاحتلال وسياسات ترامب، وهي السياسات التي تعصف بنواحٍ مختلفة في الداخل الأميركي.
وفي منطقتنا، تحمل هذه السياسة من جهة بذورًا لخلافات لم تبرز بعد مع الجانب الإسرائيلي، ومصدرها جانبان: يتعلق الأول بأنه لا حدود للأطماع الصهيونية، ومهما تطابقت سياسات ترامب معها، ثمة مزيد يُطلَب منها دائمًا. أما الجانب الثاني، فهو المتعلق بالدور الإسرائيلي المطلوب في المنطقة، إذ تصطدم الولايات المتحدة التي تريد أن تستخدم إسرائيل شرطياً له مهمات في حماية بعض الأنظمة وفي مواجهة النفوذ الإيراني، هنا بعقبتين: أن إسرائيل لا ترغب في مواجهة النظام الإيراني منفردة، بل تسعى إلى إقحام الولايات المتحدة وأنظمة عربية أخرى في هذه المواجهة. وأن قدرة الولايات المتحدة على تطبيع علاقات النظام العربي مع الكيان الصهيوني تبقى محدودة، وأن بإمكان الجماهير العربية أن تُفشل مثل هذه المحاولات، وأن تعزل أصحابها.
قد يكون من أهم عوامل تغيير ميزان القوى الراهن العمل على تغيير مسار العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، وهذا ممكن، بالاستناد إلى المتغيرات المتوقعة داخل الولايات المتحدة ذاتها نتيجة السياسات الترامبية، وإلى إجهاض عمليات التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، والأهم هو الصمود الفلسطيني واستمرار المقاومة، حيث يكفل ذلك إبقاء جذوة القضية الفلسطينية مشتعلة. أما علاقة ترامب مع نتنياهو، فلن يكون حالها أفضل من علاقة زعماء النظام الغربي سابقًا مع دولة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، ولن تواجه غير المصير نفسه الذي سيواجه آخر نظام احتلال كولونيالي وأبارتايد وتمييز عنصري في العالم، وهو الأمر الذي يتعاظم في كل يوم.