أخر الاخبار

رواية العنقاء كاملة : الجزء 15: رواية تاريخية تحدثت عن إنتصار المقاومة في غزة ما بين فترة الحكم العثماني و الاحتلال الفرنسي.

رواية العنقاء كاملة : الجزء 15:  رواية تاريخية تحدثت عن إنتصار المقاومة في غزة ما بين فترة الحكم العثماني و الاحتلال الفرنسي. للكاتب عبد الكريم السبعاوي في 1942  المولود في حارة التفاح بمدينة غزة لأسرة فقيرة لكنها حفية بالعلم والثقافة
----------------

***
- 9 -
فتحت الرض الطيبة صدرها للمحاريث .. ظلت طرقات الحارة تشغي
بالفلحين منذ الفجر .. تدفعهم إلى المسارب الضيقة بين الحقول .. وقد اختلطت
أصوات الناس بالثغاء والصهيل والنهيق .. كان الجميع يتدافعون رجال" وعلى كل
ضامر .. إلى سهول القمح والشعير المحيطة بالمدينة وبساتينها .. يزرعون نصفها
 . ويريحون نصفها الخر .. متناوبين عليها سنة بعد سنة لحماية التربة من الجهاد
كان شيخ كل حارة يتولى توزيع الرض موارس ( حصص ) على العائلت كل
حسب طاقتها على العمل .. فأرض الفلحة مشاع لبناء الحارة كلها .. وعلى من يجتاز
 . شيئا" منها لفلحته أن يدفع الضريبة للدولة نسبة من الغلة
قال شهوان لسالم وهما في الطريق إلى الموارس .. وددت لو أن زوجتي ل
تغار علي .. إذا لتزوجت وخلفت جيشا" من الولد والبنات كما فعل البطش والسويسي
والريفي وغيرهم .. ولكنني اليوم أسرح بهاتين البقرتين العجفاوين لحرث المارس
 . الذي خصصه لي شيخ الحاره وحيدا" مثل مسمار أقطم
 : قال سالم وهو يرتجف من البرد .. ويحكم لف الدفية على جسده الفارع
 . ها أنت تشكو من زوجتك وقد قتلت نفسك لتحظى بها -
الشبعان الحبنبطي بفت للجعان فت بطي .. حلل عليك أن تتزوج ثلثة وتبحث عن -
 . الرابعة .. وحرام علي أن أفكر في الزواج مجرد تفكير
أنا تزوجت الولى إرضاء للمرحوم والدي .. ولم أكن أحبها كما تعلم .. وتزوجت -
 . الثانية عن حب .. أما الثالثة فهي قريبة لي أردت أن أسترها
 : قال شهوان
وهي أصغر منك بعشرين سنة سترتها وسترت عشرين دونما" من التين والعنب ورثتها -
عن أبيها .. أما شقيقها الطفل وشريكها في الميراث فقد أخرجته صفر اليدين وكنت
. تريد أن تختم لشيبتك بحسن الختام .. فخطبت فاطمة .. ولكن يونس لم يمهلك
قالها وهو يراقب سالم بطرف عينه .. فقد أدرك أنه ذهب ابعد مما يجب .. وأن
لحظة انفجار سالم صارت وشيكة للغاية .. ولكن سالم اكتفى بأن يشخر ويبرطم وهو
 : يبتعد عنه
وغد وطيل اللسان .. وال فكيف صار شاعرا" ؟ -
عند الموارس كان بعض أهل الحارة قد وصل قبلهم وبدأ العمل .. أخذت
المحاريث تشق خطوطها الطويلة في الرض .. تقلب التربة على الجانبيين وتلقيها
 . عارية تحت الشموس في انتظار الخصب القادم
تأمل شهوان الرض المستكينة لعربدة المحاريث .. اشتم تلك الرائحة المميزة ..
رائحة طلع النخلة حين يتشقق عن بذور اللقاح .. خيل إليه أن الرض امرأة استسلمت
لفعل الحب .. أطلق صيحة فرح مجنونة وركض .. ركض حتى حافة الرض
 . المحروثة .. انبطح فوقها فاردا" ذراعيه كأنه يعانق امرأة حقيقية من لحم ودم
 : وقف سالم يتأمله
لقد تيقنت دائما" أن ما ينقصك هو الجنون .. ها هو النقص يكتمل الن وعلى رأي -
 . ( المثل ( ولد ما هو من ظهرك .. كل ما انجن أفرح لو
ساق سالم حميره وابتعد .. بينما أنزل شهوان الحمل عن بقرتيه .. شد المحراث
بينهما .. ابتدأ حرائة أرضه في خط طويل سار بمحاذاة المسرب الذي مضى فيه سالم
 : ورهطه .. ثم ما لبث أن أطلق عقيرته بالغناء
ولك حراث البقر ما أطـول معانيك
قطعت قلوب البقر من طولة معانيك
نام القمح في الطين وما نامت معانيك
كلمك صار من سبل وعيدان
حني وجودي عالغريب يا بلدنا
عاتبني يا مرج ابن عامر عاتبني
صليب فيك من قمحي وتبني
أنا روحي فداك وروح ابني
وعلى الدشمان مردود النقا
زهر القرنفل يا ربيع بلدنا
كان شهوان ينتهي من مواله فيرد عليه الشباب من الموارس المجاورة .. كأنهم
في أحد أعراس الحارة .. مر به السويسي .. وسمع الحراثين يرددون لزمة الميجانا
 : وراء كل مقطع .. فسأله ضاحكا"
عرس من هذا يا شهوان ؟ -
عرس الرض يا عماه .. أل ترى كيف نفتض بكارتها بكل هذه المحاريث؟ -
تخلفت مريم في الحارة مع باقي النساء لنجاز طعام الغذاء وحمله إلى الموارس
 . قبل أن ينتصف النهار
حملت العجين ومضت الى الفرن .. كان صوت سكينة يلعلع في الفضاء ..
 . الحارة خالية من الرجال .. وليس لها أن تتحشم أو تهمس بالحديث على عادتها
لو أعرف مين أخذت إبريق الميه من الفرن لدسوا في ....... وال عال .. هيه تفتح -
 . رجليها طول الليل .. وأنا أسخن لها الميه
 : قالت سرية .. صغرى زوجات البطش الربعة لجارتها بنورة
لقد بيتت سكينة ابريق الماء في الفرن لكي تجده ساخنا" في الصباح .. ولكن إحداهن -
سبقتها إلى الفرن وسرقت الماء الدافئ .. هكذا لم يجد الفار بدا من أن يغتسل بالماء
البارد .. حتى ل تفوته صلة الصبح في المسجد كباقي رجال الحارة .. وأنت تعرفين
 . عوده الرقيق الذي ل يحتمل نسمة الهواء
 : ضحكت بنورة وقالت
أما أنا فأشترط على زوجي أن يتطهر من بركة الجماقية وهو في طريقه إلى -
 . المارس .. ول يكلفني عناء إحضار الماء الساخن
 : تنهدت زوجة البطش
أنت صغيرة ووحيدة ومدللـه .. أما أنا فإن امتنعت عن تحضير الماء لزوجي فإن -
نساءه الخريات سوف يحضرن له لبن العصفور ليغتسل فيه .. مقابل أن ينام معهن ..
فهل أضيع ليلتي يا بنورة ؟
 : اقتربت منهما سكينة وسالت
ليلة من كانت هذه الليلة في دار البطش ؟ -
 : أجابت سرية
 . ليلة أم عواد .. وما أظنها تسرق الماء -
 : قالت سكينة
ما أظن البطش يحتاج إلى الماء بعد ليلة مع هذه الشمطاء .. ل أظنه ينام في غرفتها -
إل إكراما" لولدها العشرة .. بالمناسبة كم محراثا" غادر داركم اليوم يا سرية ؟
 . عشرون محراثا" -
لقد غلبكم السويسي .. أحصيت ثلثين محراثا" يغادرون بيته هذا الصباح .. زوجات -
السويسي وكناينه .. يخبزون مائة رغيف كل يوم على مدار السنة ومع ذلك فإن تأخر
 . بعضهم عن موعد الطعام يظل جائعا" لليوم التالي
تابعت سكينة وهي تصلي على النبي خوف الحسد .. زوجة السويسي الولى خلفت إثني
عشر ولدا" وبنتا" .. والثانية خلفت تسعة .. أما الثالثة فقد خلفت ثلثة أولد وبنتين ..
الرابعة تزوجها وهو في الستين وخلف منها ثلثة ويقال أنها حامل .. لقد زوج أربعة
 . من أحفاده في العام الماضي .. وهذا العام بعد الحصيدة سيزوج ثلثة آخرين
 : دخلت أم عواد فبادرتها سكينة بالسؤال
إيش وعدس طبختي يا أم عواد ؟ -
بامية وعدس .. وإنتي إيش طبختي للفار ؟ -
 . برغل وعدس -
 : قالت بنوره
دار السويسي طبخوا خمسة قدور سلق وعدس .. بدي أشحت منهم كشكولة خليهم -
 . يفقروا
 .. حملت الخبز ومضت
 : علقت سكينة
بدك من دار السويسي كشكولة سلق وعدس ؟ قال المثل عند الغولة وليمة بس تكفيها -
 . وتكفي أولدها
 : التفتت اليها بنورة
إنت نقطينا بسكوتك .. على رأي المثل ( لو سلم أبو الحصيني من العيوانية لشرب -
 . ( من الجماقية

 رواية العنقاء كاملة :الجزء 16:

 رواية العنقاء كاملة :الجزء 14:


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-