ارتبطت القضية الفلسطينية بمعانٍ ودلالات عديدة، ما جعل النضال من أجلها غير مقتصر على الشعب الفلسطيني؛ فالمشاركة فيه هي رفض للظلم والاضطهاد، وانحياز للحق والعدالة، وهكذا، ترد في تاريخ النضال والثورة الفلسطينية أسماء من مختلف البلدان والهويات، من شرق الأرض وغربها، ومن بين الأسماء البارزة التي تركت علامة مميزة مناضلو تنظيم الجيش الأحمر الياباني، فما هي قصة هذا التنظيم؟ وكيف ارتبط اسمه بفلسطين؟
من الأوساط الطلابية كانت البداية
تميزت فترة الستينيات بانتشار حركات "اليسار الجديد" حول العالم، والتي آمنت بضرورة محاربة منظومة الهيمنة والاضطهاد، والانحياز لقضايا المظلومين في كل مكان، على اختلاف وتباين في الوسائل التي تبنتها، ما بين حركات حقوقية سلمية، وحركات نضالية مسلحة. وفي هذه الأجواء كانت الحركات الطلابية قد بلغت ذروة نشاطها حول العالم، وفي اليابان، ومن أوساط طلاب الجامعات تبلورت اتجاهات يسارية آمنت بهذه الأفكار والمبادئ، ومنها كانت المجموعة التي أسست العام 1969 تنظيم "الجيش الأحمر الياباني"، بعضوية 400 شخص، وبقيادة تاكايا شيومي، وهي المنظمة التي اختارت طريق العمل المسلح من أجل تحقيق أهدافها، والمتلخصة في قلب نظام الحكم في اليابان، والانخراط في الثورة العالمية ضد الإمبريالية وحلفائها.
وجاءت أولى العمليات الكبرى للتنظيم في 31 آذار (مارس) 1970 مع قيام تسعة من أعضائه، مسلحين بسيوف الساموراي، باختطاف طائرة بوينغ تابعة للخطوط الجوية اليابانية، وعلى متنها 129 راكباً؛ حيث توجهوا بها إلى مطار العاصمة الكورية الشمالية بيونغ يانغ.
بعد هذه العملية شنّت السلطات اليابانية حملة واسعة مضادة للتنظيم، وتمكنت من القبض على نحو 200 عضو، من بينهم تاكايا شيومي، قائد التنظيم ومنظّره، وبذلك خسر التنظيم ما يقارب نصف عدد أعضائه، بينما اتجه البقية للاتحاد مع مجموعة ثورية ماويّة (نسبة إلى ماو قائد الثورة في الصين العام 1949) ليؤسسوا معها الجيش الأحمر الموحد في تموز (يوليو) 1971.
تميزت فترة الستينيات بانتشار حركات اليسار الجديد التي آمنت بضرورة الانحياز لقضايا المظلومين في كل مكان
قادت هيروكو ناجاتا، ورفيقها تسونيو موري، التنظيم بصيغته الجديدة، قبل أن يتم اعتقالهما لاحقاً مع مجموعة من المقاتلين في شباط (فبراير) من العام 1972، بينما كانوا منخرطين في معسكر تدريبي لهم، في محافظة ناغانو الجبلية.
من اليابان إلى لبنان
بعد الضربة التي تلقاها التنظيم، وفي شباط (فبراير) من العام 1971 غادرت القيادية فوساكو شيغينوبو بلدها مع مجموعة من رفاقها إلى لبنان؛ حيث انخرطوا هناك في معسكرات الثورة الفلسطينية، وبالتحديد مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان المسؤول عن التواصل معهم واستقبالهم هو القيادي في الجبهة وديع حداد.
وبمرور الوقت، وبسبب البعد الجغرافي وصعوبة العودة إلى اليابان، وخلافها مع تسونيو موري، انفصلت شيغينوبو ورفاقها عن الجيش الأحمر الموحد وبقي تنظيمها مقرباً من الجبهة الشعبية وبالتحديد من وديع حداد؛ حيث اعتمد الفصيل في لبنان على الجبهة في التمويل والأسلحة والتدريب. وكان يتدرب في البقاع في معسكرات الثورة، وقد تولت شيغينوبو قيادة المجموعة في لبنان طوال سنوات نشاطها، وقُدِّرَت أعداد قوات التنظيم في ذروته بأربعين مقاتلاً.
كوجي واكاماتسو (من الجيش الأحمر) مع غسان كنفاني (بيروت - 1971)
كوجي واكاماتسو وشيغينوبو مع المناضلة ليلى خالد من الجبهة الشعبية (بيروت - 1971)
وديع حداد.. المهندس
عرف عن وديع حداد اهتمامه بإقامة العلاقات والصلات مع المنظمات الثورية من مختلف أنحاء العالم، ومنها: "بادر-ماينهوف" من ألمانيا، و"العمل المباشر" من فرنسا، و"الألوية الحمراء من إيطاليا، و"الجيش الأحمر" الياباني، حيث حرص حداد على إظهار الطابع العالمي للنضال الفلسطيني، باعتباره جزءاً من الثورة العالمية ضد الاستغلال ومن أجل الحرية والاستقلال.
تأسس تنظيم الجيش الأحمر الياباني العام 1969 بعضوية 400 شخص وبقيادة تاكايا شيومي
وفي عام 1972 كان وديع حداد يخطط لشنّ عملية كبيرة تهزّ دولة الاحتلال، حيث خطط لإرسال مقاتلين لتنفيذ عملية مسلحة في مطار اللد (مطار بن غوريون)، وكان له هدفان أساسيان من العملية: الأول هو الانتقام من العملية التي نفذتها وحدات من الكوماندوز الإسرائيلية في مطار بيروت في كانون الأول (ديسمبر) من العام 1968، حين قامت بتدمير 14 طائرة من طائرات شركة الشرق الأوسط، فأراد حداد أن يردّ بنفس التخطيط والحجم في مطار اللد، كما هدف حداد من العملية إلى اغتيال عالم الأسلحة البيولوجية البروفيسور الصهيوني أهارون كاتسير، والمرشح آنذاك لرئاسة الكيان الصهيوني، وهو شقيق الرئيس اللاحق إفرايم كاتسير، الذي صار رئيساً لـ"إسرائيل" العام 1973.
وقد اختار حداد ثلاثة مقاتلين من الجيش الأحمر الياباني لتنفيذ العملية وهم: كوزو أوكاموتو (واسمه الحركي: أحمد)، تسويوشي أوكودايرا (باسم)، ياسويوكي ياسودا (صلاح).
وديع حداد: العقل المدبر لعملية مطار اللد
في مطار اللد
وصل المقاتلون الثلاثة إلى مطار اللد مساء يوم 30 أيار (مايو) من العام 1972، قادمين من روما على متن طائرة تابعة لشركة الطيران الفرنسية، وبعد النزول من الطائرة، انتظروا خروج حقائبهم، وما أن حصلوا عليها حتى أخرجوا رشاشات كلاشنكوف وقنابل يدوية، وبدأوا بإطلاقها وكانت حصيلة العملية مقتل 25 شخصاً، منهم 18 أمريكياً، و8 يحملون جنسية دولة الاحتلال، وكان من بينهم أهارون كاتسير المستهدف من العملية.
قُتل ياسويوكي ياسودا في الاشتباكات، أما تسويوشي أوكودايرا فانتحر بواسطة قنبلة يدوية، وأصيب كوزو أوكاموتو بجروح قبل أن يتم اعتقاله. وأثناء محاكمته، أفصح أوكاموتو للقاضي عن عقيدته فقال: "إنني كجندي في الجيش الأحمر الياباني أحارب من أجل الثورة العالمية، وإذا متّ فسأتحول إلى نجم في السماء".
بعد العملية مباشرة خرج غسان كنفاني الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية آنذاك ليعلن عن تبنّي الجبهة للعملية، وقد رد جهاز الموساد بعد فترة وجيزة باغتيال كنفاني في تموز (يوليو) من العام 1972.
كانت عملية مطار اللد من أشهر العمليات التي قامت بها منظمة الجيش الأحمر؛ حيث اكتسبت من خلالها شهرة عالمية وأصبح اسمها منذ ذلك الحين مرتبطاً بالثورة والنضال الفلسطيني.
غادر التنظيم العام 1971 إلى لبنان حيث انخرط في معسكرات الثورة مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
وبعد اعتقال أوكاموتو واغتيال كنفاني بحوالي السنة، عزمت الجبهة الشعبية والجيش الأحمر على تنفيذ عملية بغرض افتداء أوكاموتو والمطالبة بتحريره، وفي تموز (يوليو) من العام 1973 نفذ التنظيمان عملية اختطاف مشتركة لطائرة يابانية في هولندا، وطالبوا بالإفراج عن أوكاموتو، في مقابل الإفراج عن الرهائن على متن الطائرة؛ حيث قاموا باقتيادها إلى ليبيا، وحين رفض الاحتلال الصفقة، أطلقوا سراح الطاقم والركاب، ثم فجروا الطائرة.
بقي أوكاموتو في سجون الاحتلال مُدّة 13عاماً، أمضاها في العزل الانفرادي، وفي العام 1985، أبرمت "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" صفقة تبادل "النورس" مع الاحتلال، حيث اشترطت الجبهة أن يكون اسم أوكاموتو ضمن الأسرى المُحررين.
بعد عملية مطار اللد، استمرت عمليات الجيش الأحمر وامتدت حتى العام 1988، وكانت تتعاون معهم دول عدة، أهمها: ألمانيا الشرقية، وليبيا، واليمن الجنوبي، والجزائر؛ حيث فتحت لهم مطاراتها وسهلت حركتهم.
ومن أشهر عمليات الجيش الأحمر عملية كوالالمبور في آب (أغسطس) العام 1975، حين قام باختطاف 53 رهينة في مبنى الاتحاد الأمريكي للتأمين وسط العاصمة الماليزية، كان من ضمنهم القنصل الأمريكي والسفير السويدي، وقد تم على إثرها إجراء صفقة تحرير لخمسة من أعضاء الجيش كانوا محتجزين في السجون اليابانية حيث تم إرسالهم محررين إلى ليبيا.
وبعدما بدأ العديدون بنسيانه، عاد اسم الجيش الأحمر الياباني في 15 شباط (فبراير) 1997 للتداول على شبكات الأنباء، وذلك بعد نبأ اعتقال خمسة من أعضائه في لبنان، ومن بينهم أوكاموتو؛ حيث اتهموا باستخدامهم جوازات سفر مزورة، وحكم عليهم بالسجن ثلاث سنوات، وبعد انتهاء محكومياتهم تم تسفير رفاق أوكاموتو إلى اليابان، وهناك خضعوا للمحاكمة بتهمة "الإرهاب الدولي"، أما أوكاموتو فحظي باللجوء السياسي في لبنان بسبب مشاركته بالمقاومة وتعذيبه في سجون الاحتلال، واليوم مايزال أوكاموتو مطلوباً للدولة اليابانية؛ حيث طلبت حكومة طوكيو من لبنان تسليمه إليها.
عُرف عن وديع حداد اهتمامه بإقامة العلاقات والصلات مع المنظمات الثورية من مختلف أنحاء العالم
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2000 تداولت وكالات الأنباء اسم شيغينوبو مع خبر اعتقالها بالقرب من أوساكا، حيث كانت تقيم تحت اسم مستعار بعد عودتها من لبنان، وكانت شيغينوبو مطلوبة دولياً منذ العام 1974 بعد عملية شاركت فيها، احتجز فيها مقاتلو الجيش الأحمر السفير الفرنسي وعشرة من مواطنيه في مبنى السفارة في هولندا لإجبار فرنسا على إطلاق سراح محتجز من الجيش الأحمر لديها.
وأثناء محاكمتها في نيسان (أبريل) 2001 أعلنت شيغينوبو حلّ الجيش الأحمر، وأكدت أنّ شكلاً آخر من الكفاح سينطلق من اليابان وسيكون حديثاً وشرعياً ومنفتحاً، وفي شباط (فبراير) من العام 2006 تمت إدانتها بالاختطاف ومحاولات الاغتيال في هجوم السفارة الفرنسية العام 1974 وحكمت بالسجن 20 عاماً.
واليوم لا تزال شيغينوبو تقضي محكوميتها، وقد بلغت من العمر 72 عاماً، ولديها ابنة واحدة اسمها "مي" وهي ابنتها من رجل فلسطيني من أعضاء الجبهة الشعبية، وفي أيار (مايو) 2001 نشرت كتاباً باللغة اليابانية هو عبارة عن رسالة إلى ابنتها بعنوان "قررت ولادتك تحت شجرة التفاح".
قامت الجبهة الشعبية بتكريم أوكاموتو العام 2016 في بيروت
في الأدب والسينما
تناولت العديد من الأعمال الفنية الجيش الأحمر وتاريخه، منذ بدايته كحركة طلابية في اليابان، وانتهاء بعملياته الدولية، ومن أشهر الأفلام: فيلم "الجيش الأحمر الموحد"، من إخراج واكاماتسو، وعرض العام 2007، يتناول الحياة الطلابية في اليابان خلال الستينيات ويحكي قصة بداية التنظيم، والفيلم الوثائقي "أطفال الثورة"، الذي أنتج العام 2010 ويتناول الفيلم قصة الألمانية أولكر ماينهوف واليابانية فوساكو شيغينوبو، وتتحدث فيه مي شيغينوبو، أما أدبياً فظهرت مجموعة من الروايات أهمها رواية الأمريكي توم كلانسي "مجموع كل المخاوف" (The Sum of All Fears) الصادرة عام 1991.
(من اليمين) غلاف فيلمي "أطفال الثورة" و"الجيش الأحمر الموحد"
واليوم تزداد الأهمية لإعادة قراءة وإبراز مثل هذه التجارب وذلك تأكيداً على عدالة القضية الفلسطينية وعلى الطابع العالمي للنضال الفلسطيني، والمتجاوز للهويات والانتماءات الضيقة.
من الأوساط الطلابية كانت البداية
تميزت فترة الستينيات بانتشار حركات "اليسار الجديد" حول العالم، والتي آمنت بضرورة محاربة منظومة الهيمنة والاضطهاد، والانحياز لقضايا المظلومين في كل مكان، على اختلاف وتباين في الوسائل التي تبنتها، ما بين حركات حقوقية سلمية، وحركات نضالية مسلحة. وفي هذه الأجواء كانت الحركات الطلابية قد بلغت ذروة نشاطها حول العالم، وفي اليابان، ومن أوساط طلاب الجامعات تبلورت اتجاهات يسارية آمنت بهذه الأفكار والمبادئ، ومنها كانت المجموعة التي أسست العام 1969 تنظيم "الجيش الأحمر الياباني"، بعضوية 400 شخص، وبقيادة تاكايا شيومي، وهي المنظمة التي اختارت طريق العمل المسلح من أجل تحقيق أهدافها، والمتلخصة في قلب نظام الحكم في اليابان، والانخراط في الثورة العالمية ضد الإمبريالية وحلفائها.
أعضاء من منظمة الجيش الأحمر الياباني
|
بعد هذه العملية شنّت السلطات اليابانية حملة واسعة مضادة للتنظيم، وتمكنت من القبض على نحو 200 عضو، من بينهم تاكايا شيومي، قائد التنظيم ومنظّره، وبذلك خسر التنظيم ما يقارب نصف عدد أعضائه، بينما اتجه البقية للاتحاد مع مجموعة ثورية ماويّة (نسبة إلى ماو قائد الثورة في الصين العام 1949) ليؤسسوا معها الجيش الأحمر الموحد في تموز (يوليو) 1971.
تميزت فترة الستينيات بانتشار حركات اليسار الجديد التي آمنت بضرورة الانحياز لقضايا المظلومين في كل مكان
قادت هيروكو ناجاتا، ورفيقها تسونيو موري، التنظيم بصيغته الجديدة، قبل أن يتم اعتقالهما لاحقاً مع مجموعة من المقاتلين في شباط (فبراير) من العام 1972، بينما كانوا منخرطين في معسكر تدريبي لهم، في محافظة ناغانو الجبلية.
من اليابان إلى لبنان
بعد الضربة التي تلقاها التنظيم، وفي شباط (فبراير) من العام 1971 غادرت القيادية فوساكو شيغينوبو بلدها مع مجموعة من رفاقها إلى لبنان؛ حيث انخرطوا هناك في معسكرات الثورة الفلسطينية، وبالتحديد مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان المسؤول عن التواصل معهم واستقبالهم هو القيادي في الجبهة وديع حداد.
شيغينوبو في معسكرات الثورة الفلسطينية في البقاع اللبناني
|
وبمرور الوقت، وبسبب البعد الجغرافي وصعوبة العودة إلى اليابان، وخلافها مع تسونيو موري، انفصلت شيغينوبو ورفاقها عن الجيش الأحمر الموحد وبقي تنظيمها مقرباً من الجبهة الشعبية وبالتحديد من وديع حداد؛ حيث اعتمد الفصيل في لبنان على الجبهة في التمويل والأسلحة والتدريب. وكان يتدرب في البقاع في معسكرات الثورة، وقد تولت شيغينوبو قيادة المجموعة في لبنان طوال سنوات نشاطها، وقُدِّرَت أعداد قوات التنظيم في ذروته بأربعين مقاتلاً.
كوجي واكاماتسو (من الجيش الأحمر) مع غسان كنفاني (بيروت - 1971)
|
كوجي واكاماتسو وشيغينوبو مع المناضلة ليلى خالد من الجبهة الشعبية (بيروت - 1971)
|
كوجي واكاماتسو وشيغينوبو مع المناضلة ليلى خالد من الجبهة الشعبية (بيروت - 1971)
وديع حداد.. المهندس
عرف عن وديع حداد اهتمامه بإقامة العلاقات والصلات مع المنظمات الثورية من مختلف أنحاء العالم، ومنها: "بادر-ماينهوف" من ألمانيا، و"العمل المباشر" من فرنسا، و"الألوية الحمراء من إيطاليا، و"الجيش الأحمر" الياباني، حيث حرص حداد على إظهار الطابع العالمي للنضال الفلسطيني، باعتباره جزءاً من الثورة العالمية ضد الاستغلال ومن أجل الحرية والاستقلال.
تأسس تنظيم الجيش الأحمر الياباني العام 1969 بعضوية 400 شخص وبقيادة تاكايا شيومي
وفي عام 1972 كان وديع حداد يخطط لشنّ عملية كبيرة تهزّ دولة الاحتلال، حيث خطط لإرسال مقاتلين لتنفيذ عملية مسلحة في مطار اللد (مطار بن غوريون)، وكان له هدفان أساسيان من العملية: الأول هو الانتقام من العملية التي نفذتها وحدات من الكوماندوز الإسرائيلية في مطار بيروت في كانون الأول (ديسمبر) من العام 1968، حين قامت بتدمير 14 طائرة من طائرات شركة الشرق الأوسط، فأراد حداد أن يردّ بنفس التخطيط والحجم في مطار اللد، كما هدف حداد من العملية إلى اغتيال عالم الأسلحة البيولوجية البروفيسور الصهيوني أهارون كاتسير، والمرشح آنذاك لرئاسة الكيان الصهيوني، وهو شقيق الرئيس اللاحق إفرايم كاتسير، الذي صار رئيساً لـ"إسرائيل" العام 1973.
وقد اختار حداد ثلاثة مقاتلين من الجيش الأحمر الياباني لتنفيذ العملية وهم: كوزو أوكاموتو (واسمه الحركي: أحمد)، تسويوشي أوكودايرا (باسم)، ياسويوكي ياسودا (صلاح).
وديع حداد: العقل المدبر لعملية مطار اللد
|
وديع حداد: العقل المدبر لعملية مطار اللد
في مطار اللد
وصل المقاتلون الثلاثة إلى مطار اللد مساء يوم 30 أيار (مايو) من العام 1972، قادمين من روما على متن طائرة تابعة لشركة الطيران الفرنسية، وبعد النزول من الطائرة، انتظروا خروج حقائبهم، وما أن حصلوا عليها حتى أخرجوا رشاشات كلاشنكوف وقنابل يدوية، وبدأوا بإطلاقها وكانت حصيلة العملية مقتل 25 شخصاً، منهم 18 أمريكياً، و8 يحملون جنسية دولة الاحتلال، وكان من بينهم أهارون كاتسير المستهدف من العملية.
أهارون كاتسير: عالم الأسلحة البيولوجية الصهيوني تم اغتياله في عملية مطار اللد
|
قُتل ياسويوكي ياسودا في الاشتباكات، أما تسويوشي أوكودايرا فانتحر بواسطة قنبلة يدوية، وأصيب كوزو أوكاموتو بجروح قبل أن يتم اعتقاله. وأثناء محاكمته، أفصح أوكاموتو للقاضي عن عقيدته فقال: "إنني كجندي في الجيش الأحمر الياباني أحارب من أجل الثورة العالمية، وإذا متّ فسأتحول إلى نجم في السماء".
أوكاموتو في المؤتمر صحفي بعد اعتقاله مباشرة
|
كانت عملية مطار اللد من أشهر العمليات التي قامت بها منظمة الجيش الأحمر؛ حيث اكتسبت من خلالها شهرة عالمية وأصبح اسمها منذ ذلك الحين مرتبطاً بالثورة والنضال الفلسطيني.
غادر التنظيم العام 1971 إلى لبنان حيث انخرط في معسكرات الثورة مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
وبعد اعتقال أوكاموتو واغتيال كنفاني بحوالي السنة، عزمت الجبهة الشعبية والجيش الأحمر على تنفيذ عملية بغرض افتداء أوكاموتو والمطالبة بتحريره، وفي تموز (يوليو) من العام 1973 نفذ التنظيمان عملية اختطاف مشتركة لطائرة يابانية في هولندا، وطالبوا بالإفراج عن أوكاموتو، في مقابل الإفراج عن الرهائن على متن الطائرة؛ حيث قاموا باقتيادها إلى ليبيا، وحين رفض الاحتلال الصفقة، أطلقوا سراح الطاقم والركاب، ثم فجروا الطائرة.
بقي أوكاموتو في سجون الاحتلال مُدّة 13عاماً، أمضاها في العزل الانفرادي، وفي العام 1985، أبرمت "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" صفقة تبادل "النورس" مع الاحتلال، حيث اشترطت الجبهة أن يكون اسم أوكاموتو ضمن الأسرى المُحررين.
أوكاموتو في مطار العاصمة الليبية طرابلس إثر الموافقة على إطلاق سراحه في إطار صفقة تبادل للسجناء
|
ومن أشهر عمليات الجيش الأحمر عملية كوالالمبور في آب (أغسطس) العام 1975، حين قام باختطاف 53 رهينة في مبنى الاتحاد الأمريكي للتأمين وسط العاصمة الماليزية، كان من ضمنهم القنصل الأمريكي والسفير السويدي، وقد تم على إثرها إجراء صفقة تحرير لخمسة من أعضاء الجيش كانوا محتجزين في السجون اليابانية حيث تم إرسالهم محررين إلى ليبيا.
احتجاز رهائن وسط كوالالمبور العام 1975
|
عُرف عن وديع حداد اهتمامه بإقامة العلاقات والصلات مع المنظمات الثورية من مختلف أنحاء العالم
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2000 تداولت وكالات الأنباء اسم شيغينوبو مع خبر اعتقالها بالقرب من أوساكا، حيث كانت تقيم تحت اسم مستعار بعد عودتها من لبنان، وكانت شيغينوبو مطلوبة دولياً منذ العام 1974 بعد عملية شاركت فيها، احتجز فيها مقاتلو الجيش الأحمر السفير الفرنسي وعشرة من مواطنيه في مبنى السفارة في هولندا لإجبار فرنسا على إطلاق سراح محتجز من الجيش الأحمر لديها.
وأثناء محاكمتها في نيسان (أبريل) 2001 أعلنت شيغينوبو حلّ الجيش الأحمر، وأكدت أنّ شكلاً آخر من الكفاح سينطلق من اليابان وسيكون حديثاً وشرعياً ومنفتحاً، وفي شباط (فبراير) من العام 2006 تمت إدانتها بالاختطاف ومحاولات الاغتيال في هجوم السفارة الفرنسية العام 1974 وحكمت بالسجن 20 عاماً.
واليوم لا تزال شيغينوبو تقضي محكوميتها، وقد بلغت من العمر 72 عاماً، ولديها ابنة واحدة اسمها "مي" وهي ابنتها من رجل فلسطيني من أعضاء الجبهة الشعبية، وفي أيار (مايو) 2001 نشرت كتاباً باللغة اليابانية هو عبارة عن رسالة إلى ابنتها بعنوان "قررت ولادتك تحت شجرة التفاح".
قامت الجبهة الشعبية بتكريم أوكاموتو العام 2016 في بيروت
|
قامت الجبهة الشعبية بتكريم أوكاموتو العام 2016 في بيروت
في الأدب والسينما
تناولت العديد من الأعمال الفنية الجيش الأحمر وتاريخه، منذ بدايته كحركة طلابية في اليابان، وانتهاء بعملياته الدولية، ومن أشهر الأفلام: فيلم "الجيش الأحمر الموحد"، من إخراج واكاماتسو، وعرض العام 2007، يتناول الحياة الطلابية في اليابان خلال الستينيات ويحكي قصة بداية التنظيم، والفيلم الوثائقي "أطفال الثورة"، الذي أنتج العام 2010 ويتناول الفيلم قصة الألمانية أولكر ماينهوف واليابانية فوساكو شيغينوبو، وتتحدث فيه مي شيغينوبو، أما أدبياً فظهرت مجموعة من الروايات أهمها رواية الأمريكي توم كلانسي "مجموع كل المخاوف" (The Sum of All Fears) الصادرة عام 1991.
(من اليمين) غلاف فيلمي "أطفال الثورة" و"الجيش الأحمر الموحد"
|
(من اليمين) غلاف فيلمي "أطفال الثورة" و"الجيش الأحمر الموحد"
واليوم تزداد الأهمية لإعادة قراءة وإبراز مثل هذه التجارب وذلك تأكيداً على عدالة القضية الفلسطينية وعلى الطابع العالمي للنضال الفلسطيني، والمتجاوز للهويات والانتماءات الضيقة.