أخر الاخبار

"مي" اليابانية التي عاشت 27 عاماً متخفية في لبنان


"كنت أستغرب كل تلك الأسرار التي أحاطت بحياتي منذ الولادة، ولم أكن أعرف هويتي واسمي الحقيقيين حتى سن المراهقة". هكذا تختصر مي شيغينوبو طفولتها ونشأتها السرية في لبنان.



مي مواليد 1973 في بيروت، أي بعد عامين على انتقال والدتها فوساكو شيغينوبو المؤسسة والقائدة السابقة للجيش الأحمر الياباني الى لبنان مع مجموعتها للالتحاق بـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين".



كان للجيش "نضالات" عدة على الصعيد العالمي، أشهرها عملية مطار اللّد في تل أبيب، والهجوم على السفارة الفرنسية في لاهاي. بعد ذلك باتت مؤسِسته مطلوبة للـ"إنتربول" منذ عام 1974، إلى أن تم اعتقالها عام 2000 في أوساكا (اليابان) متخفّيةً تحت إسم مستعار.



أمّا الوالد، فلأسباب أمنية تفضّل مي إبقاءه مجهولاً. تُعرِّف عنه بأنه فلسطيني الجنسية من أهمّ قادة "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين".



وبالتقاء الثورتين اليابانية والفلسطينية في لبنان، وُلِدت مي.



عاشت مي طفولتها مع أولاد رفاق والدتها من "الجيش الأحمر"، متجوّلة بين المخيمات الفلسطينية ومناطق أخرى في لبنان بأسماءٍ وهويات مستعارة بسبب وضعها الأمني، بفعل ملاحقة المجموعة التي ترأسها والدتها من قبل مؤسسات أمنية دولية متعددة. نشأت على الفكر الثوري العالمي وعلى توجّهٍ عام يقضي باحتضان القضية الفلسطينية، متأثّرةً بأفكار تنظيمَي والدَيها المتجانسين في التفكير والعقيدة.



تنقلت خلال تحصيلها العلمي على مختلف مراحله بين مدارس مختلفة ومناطق متعددة، سعياً وراء أمان زائف وهرباً من محاولات القبض على والدتها. "أكثر ما كان يزعجني في طفولتي اختفائي المفاجئ عن أصدقائي المقربين، إذ كنت أنتقل فجأة مع رفاق والدتي إلى أماكن أخرى ويُمحى أثري"، تعلّق مي على تلك المرحلة من حياتها.



لم يكن التمسك بالأماكن والأشخاص ذا أهمية في حياتها، فهي تشبّعت من والدتها أصول العمل الثوري السرّي منذ الصغر، الذي يعتمد المحافظة على الأسرار بشكل أساسي وعدم الدخول في مناقشات مع الآخرين قد تؤدي الى وضع علامات استفهام حول الحياة المبهمة التي تعيشها. كذلك ترفض مي التحدث عن والدها الفلسطيني لأسباب أمنية حسب قولها، ولعدم سماح والدتها بالافصاح عن هويته.

نالت شهادتها في العلوم السياسية ثم الدراسات العليا في العلاقات الدولية  من الجامعة الأميركية في بيروت، كما درست الصحافة في الجامعة اللبنانية كلية الإعلام والتوثيق.



27 عاماً قضتها مي تدّعي بأنّها أشخاص آخرون، بلا صور تجمعها بعائلتها الحقيقية ولا أي دليل على هويتها الفعلية، وانتهت هذه الأعوام باعتقال والدتها عام 2000. حينها سافرت الى اليابان لتكون بجانب والدتها في المحكمة. هكذا حصلت أخيراً على جنسية والدتها اليابانية وخرجت الى العلن فخورة بما قدّمته والدتها من نضالات على الصعيد العالمي وخاصة الفلسطيني.



عام 2001 أعلنت فوساكو شيغينوبو، والدة مي، حلَّ الجيش الأحمر الياباني، وأعربت عن أسفها لضحايا الهجمات التي نفذتها منظمتها، إلا أنّها لم تعلن ندمها على القضية التي تبنّتها مجموعتها. ونشرت كتاباً باللغة اليابانية عبارة عن رسالة الى ابنتها الوحيدة بعنوان: " قررتُ ولادتك تحت شجرة التفاح"، عبّرت فيه عن أسفها تجاه ابنتها لاّنها لم تدعها تعيش طفولة عادية. وكتبت: "لأنني كنت مطلوبة منعتك من العيش بحرية...أعتذر".



أُدينت فوساكو عام 2006  بتهم الاختطاف ومحاولات الاغتيال في هجوم السفارة الفرنسية عام 1974، وحُكِم عليها بالسجن 20 عاماً في اليابان. تزورها ابنتها الوحيدة مرة في الشهر. مي حصلت مؤخّراً على الدكتوراه في الدراسات الإعلامية وامتهنت التعليم في أحد أهم معاهد التعليم اليابانية كما حاضرت عن قضايا الشرق الأوسط وأهمّها القضية الفلسطينية في بعض الجامعات، بالإضافة الى أنّها صحافية وإعلامية معروفة على صعيد بلدها. حاليّاً اختارت العودة الى لبنان، لكن هذه المرة بلا تغطية لهويتها، علّها تعيد إلى الحياة بعضاً ممّا دفنته من أسرارها.



نبذة عن الجيش الأحمر الياباني

الجيش الأحمر الياباني هو فصيل ياباني مسلّح من اليسار المتطرف، المتأثر بأفكار ماركس ولينين، أسّــسته فوساكو شيغينوبو عام1974.



كان هدف الجيش الأحمر الياباني التعبئة من أجل تمثيل سياسي أكبر في اليابان ومحاربة الإمبريالية والترويج للشيوعية وتعميم الثورة عالميّاً. في منتصف الستينات ظهر جيل جديد من الطلاب الناشطين في اليابان الذين بدأوا بالتحضير لوقف معاهدة التعاون المشترك والأمن بين الولايات المتحدة واليابان، والتحرك ضد دعم اليابان للأمم المتحدة في حربها على الفييتنام.



في عام 1970 عندما أوشكت المعاهدة على أن تصبح رسمية، تحوّل التحرك الطلابي كفاحاً مسلّحاً. ومن أجل توسيع نطاق الثورة انتقلت فوساكو شيغينوبو الى بيروت عام 1971 حيث التحقت بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ومن لبنان نُظّم الجيش الأحمر الياباني وتبنى مجموعة عمليات من أشهرها عملية مطار اللد في تل أبيب التي تسبّبت بمقتل شخص وإصابة 80، وعملية احتجاز السفير الفرنسي وعشرة فرنسيين آخرين في السفارة الفرنسية في هولندا لإجبار فرنسا على إطلاق سراح محتجز من الجيش الأحمر لديها.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-