أخر الاخبار

في غزة 12 عاماً، عمر يكفي لتشهد ثلاثة حروب، وتحتاج إلى كِلية جديدة

في غزة 12 عاماً، عمر يكفي لتشهد ثلاثة حروب، وتحتاج إلى كِلية جديدة
************************************************************
ربما هي قصتها، أو ربما هو جمالها الذي يسرق العين والقلب، وربما لأنها حالة تعطي للناس في رام الله أو الجزء الآخر من الجزء الأخير المحتل عام 1967 أن يتعاطفوا معها، وربما لأن القدر أراد لها ذلك، المهم في الأمر أن إنعام العطار تملأ بصورها وسائل التواصل الاجتماعي...

أعرف أيتها الصغيرة الجميلة ما يعنيه ألم الكلى، وألم المرور بآلة الغسيل كل ثلاثة أيام، وأعرف أنك ربما لم تفهمي لماذا اختارك المرض من بين مئات آلاف الأطفال من غزة، وربما تدور خلية من الأسئلة في رأسك الصغير عن جدوى كل هذا، فمنذ كنتِ في الثانية وضعتِ طفولتكِ في كفن الحصار ودفنتِها في مقبرة السياسيين.

اثنا عشر عاما؟ هذا يعني أنك ولدتِ بالأمس فقط، عام 2006، كي تشهدي حرباً لم تعيها عام 2008، وحرباً وعيتِها قليلاً عام 2012، وحرباً كنت عارفة بما يجري فيها عام 2014، ولدي اعتقاد راسخ بأن الحروب الثلاثة بالضرورة قد أخذت منك صديقة أو قريب أو بيت أو مدرسة أو لعبة أو كتاب، من المستحيل أن تكون الحروب الثلاثة قد تركتك دون عضة في القلب، تماماً كما تركك الحصار بكلية عاجزة عن العمل، وفم لم يعرف طعم الماء العذب طوال حياته.

ككل الأطفال، متأكد أنك حلمت بالسفر إلى المدن التي تشاهدينها على التلفزيون، القاهرة ربما، باريس، نيويورك، أو على الأقل إلى القدس التي قرأتِ عنها وسمعتِ عنها في الأغنيات، لكن الحظ والحصار لم يحالفاك كي تشاهدي قبابها وشوارعها القديمة، وما أنا متأكد منه أكثر أنك لم تفكري مطلقاً أن أول فرصة لك في السفر ستكون إلى مستشفى ما كي تزرعي كلية جديدة في جسدك الصغير، فلم يكن هذا في حساب أحد، لكنه العالم الهش المترهل الذي يفاجؤنا كل يوم بما لا يخطر لنا على بال.

سأحكي للعالم عنك، لن آخذك مثالا على أطفال غزة المقهورين والمنكوبين، بل عنك أنت بالذات، لأن كل طفل في غزة يستحق أن تكون له قصته الخاصة، دون أن يكون رقماً في خانة في سجل موظف بليد، فكل قصة هي صاحبها، والإنسان بدون قصته لن يكون شيئاً.

منذ كنت في شهرك الثامن عشر وارتفعت حرارتك وأعطوك دواء للإنفلونزا، بدأت معاناتك، وبعد أن أجروا لك صورة تلفزيونية للكلى اكتشفوا أن لديك حالة تكيس في الكليتين، وهي حالة نادرة بالمناسبة، وحتى بعد تحويلك إلى هداسا وارتفاع ضغطك إلى مستويات قياسية، اضطروا ليعطوك الدواء على شكل أقراص وأنت لم تتمي عامك الثاني، وفي الرابعة ـ يا إلهي ـ في الرابعة فقط بدأت معاناتك مع تجمع السوائل في جسدك، فأجروا لك عملية تلو الأخرى، وامتدت الخراطيم داخل جسدك الغض، وكل مرة يتقدمون لك بتحويلة، يتم رفضها، وأنت بين عالم السياسة وعالم الطفولة لا تعرفين إلا الألم، ويا له من ألم.

بعدها يستأصلون كليتك اليسرى في المستشفى الأوروبي في رفح، لكن هذا خلق ضغطاً إضافياً على كليتك الأخرى، مما ألجأك إلى أن تتناولي 28 قرص دواء في اليوم، وهذا الرقم وحده يصلح لأن تذهب جمعيات حقوق الإنسان في العالم كلها إلى الجحيم.

لم يتوقف قدرك عند هذا، فحتى حين حاول الأطباء زراعة كلية لك لم ينجح اختبار التناسق لا مع والدك ولا والدتك ولا أشقائك الستة، وربما نقدم شكرنا إلى الفيس بوك في هذه المرحلة لأن 13 شخصاً عرضوا التبرع لك بكلية بعد انتشار قصتك.

حبيبتي إنعام: قولي لأولاد غزة عندما تعودين معافاة وطافحة بالمحبة والطفولة، بأن الله يحبهم، وأن كل ما يحدث معهم منذ عشر سنوات إلى اليوم، لم يرده الله، إنما أراده من يقفون في وجه الطفولة لأنها تهدد وجودهم كما تهددهم بسمتك الحزينة التي تأكل قلب كل من رآها.



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-