أخر الاخبار

0 بسطة ثورات .. خالد جمعة

خالد جمعة.. بسطة ثورات..
رجل أقيل من عملِهِ الذي لم يكن عملاً، فجلسَ في البيتِ لأيام وهو يحصي مدّخراتِهِ ويفكّر في المشروع الذي يمكن أن يقيمه بهذه المدخرات، ليحقّق طموحَهُ بالتدريج، يبني بيتاً، يتزوج، يشتري سيارة، يشتري قطعةَ أرضٍ ثم قطعة أخرى ثم يشتري البلد والبلد المجاورة وهكذا إلى أن يحكم العالمَ كلَّه.

بعدَ أيّامٍ من التفكير واستهلاكِ كمّيّة هائلة من الورق وأقلام الرصاص [لم يكن الجالاكسي نوت قد ظهر بعد]، توصل إلى أن أفضل ما يمكن فعله نظراً للظروف الراهنة هو أن يجلسَ على الرصيف ببسطةِ ثورات، نعم كانَ هذا هو الحلّ الأمثل.

في البداية، أخذ يدور على البيوت ويشتري ثورات مستعملة، أو ثورات ذهبَت موضتُها، وأحياناً ثورات معطّلة، ويصلحُها كيفما اتفق، وبالطبع كان يشتري الثورات بسعر التراب، لأن الناس لم يعودوا يرغبون في اقتناء الثورات القديمة.

أخذت بسطته تكبر ويشتهر اسمها لأولئك المساكين الذين كانوا بحاجة إلى ثورة بأي شكل، فبعد أن بدأ ببيع الثورات الصغيرة لعمال المصانع كي يثوروا على صاحب العمل، وطلاب المدارس كي يثوروا على معلميهم، انتقل إلى تجارة أكبر، وصار لديه رأس مال مكّنه من تحويل البسطة إلى محلٍّ صارَ يكبر ويكبر إلى أن لم يعد هو نفسه يعرف حدوده.

سافر إلى الصين، وأخذ معه عدة نماذج لثورات قديمة، وبعض الثورات التي صممها بنفسه، وتعاقد مع المصانع هناك لينتجوا له كمية هائلة من الثورات لجميع الاستعمالات، وتكدست الصناديق في محله الكبير، من الثورات الصغيرة على شكل مصاصات، التي يشتريها الأولاد ليثوروا على آبائهم وأمهاتهم، حتى الثورات الكبيرة التي تُشترى بأرقام فلكية من قبل حسابات مجهولة في بنوك سويسرية.

بالطبع عندما اغتنى هذا الرجل، صار كريماً لدرجة أنه كان يوزع الثورات مجاناً في بعض الأحيان، وكانت عروض محلاته مميزة، فيكفيك أن تشتري ثورة من أي نوع حتى تحصل على الثورة الثانية مجاناً، وحتى لو لم يكن لديك المال، فإن هناك برنامج خاص لبيع الثورات بالتقسيط المريح وطويل الأمد، والمذهل في الأمر، أنه لم يكن يطالبك بثمن الثورة إلا بعد نجاحها، وذلك لشدة ثقته في ثوراته كما كان يقول، ثوراتي لا تفشل أبداً.

اليوم، وبعد كلّ هذا الزمن، انتشر أولاد هذا الرجل وتقاسموا المحلات، وتضاربت تجارة الثورات بينهم دون تنسيق، فبإمكانك أن تجد ثورتين في مكان واحد من محل واحد، وبالطبع هذا لا يصح، ولكن الذي يشتري الثورات لم يعد يهمه أن يصح أو لا يصح، ما يهمه أن يحصل على ثورة بأي ثمن، فكيف يمكن أن يحصل جارنا على ثورة فيما أبقى أنا دون ثورة؟ هذا عيب في حقي.

ولأن الناس لا يثقون بالوقت، وخافوا من انقطاع الثورات من السوق، فكثيراً ما تجد في ثلاجاتهم صندوقاً أو صندوقين من الثورات، والغريب في الأمر فعلاً أن هناك من لا يزال يحتفظ بهذه الصناديق رغم أن تاريخ صلاحيتها قد انتهى منذ وقت طويل.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-