ترامب ومصير الرئاسة على كف عفريت- منير شفيق
الثلاثاء، 08 أغسطس 2017 10:38 ص
ما زال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حالة ارتباك. الأمر الذي يقود فوراً إلى أن تكون الإدارة الأمريكية في حالة ارتباك كذلك.
ولِدت رئاسة دونالد ترامب في حالة صراع مع مؤسسات رئيسة في الدولة العميقة. وجاء اختياره بالرغم منها وهو ما لا يجب التقليل من خطرها عليه مهما قيل حول صلاحياته الدستورية وقدرته على تحدي الدولة العميقة أو ما راحت تعانيه هذه الإدارة من ضعف.
واستهل دونالد ترامب رئاسته بفتح معارك مع قطاع هام وأساسي في الإعلام الأمريكي المؤثر في الرأي العام. وها هنا أيضاً يجب عدم التقليل من خطر الإعلام عليه، بل حتى على مستقبله كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية. وإذا كان المتنبي قد قال في الماضي "وعداوة الشعراء بئس المقتنى" فإننا نستطيع أن نقول اليوم "وعداوة الإعلام بئس المقتنى".
على أن الإشكال الأهم، كما أثبتت الوقائع حتى الآن، جاء من علاقة ترامب أو علاقة حملته الانتخابية بالروس، والزعم بأنهم ساعدوه على الفوز بالرئاسة، ولو من خلال تهشيم صورة منافسته هيلاري كلينتون. فحول هذا الإشكال تركزت في هذه المرحلة كل محاولات إيجاد دلائل قانونية تسمح بإدانته.
استطاع ترامب حتى الآن أن يفلت من ضغوط مؤسسات الدولة العميقة، أو استطاع ترويضها جزئيا أو التخفيف من تأثيرها. وتمكن حتى الآن من أن يتعايش مع أشد الحملات الإعلامية الموجّهة ضده يوميا ويتجاهلها، معتبرا أن "تغريداته" أهم منها وتكفيه شرها.
وأخيرا وليس آخرا استطاع، أن يفلت من عدة تحقيقات تناولت علاقة مساعدين له بالروس. ولكن ما يكاد يفلت من إحدى هذه التحقيقات حتى تبرز من حيث لا يدري قضية أخرى وتحقيق جديد وهكذا. وكان آخرها، وبعد عودته من قمة الرياض "ظافراً"، قضية جديدة تورّط فيها ابنه الأكبر. وذلك من خلال علاقته بمحامية روسية اتصلت به في أثناء الحملة الانتخابية مدعية أن لديها وثائق تجرّم هيلاري كلينتون. وقد أدرج في هذه القضية أيضا صهره جاريد كوشنر، ولكن قبل أن تُهّدأ، ومن دون أن تُطوى، وإذا بمعلومة تُسرَّب من البيت الأبيض تكشف عن لقاء ثنائي سري في مؤتمر قمة العشرين بين بوتين وبينه، وبالاعتماد على مترجم واحد هو المترجم الروسي.
إن مشكلة واحدة من مشاكل ترامب الداخلية كانت تكفي في السابق لتقصم ظهر أي رئيس أمريكي آخر. ولكنه ما زال قادرا على التفلّت بكل وسيلة متاحة، فضلاً عن شخصيته غريبة الأطوار. ولكن إلى متى؟ وذلك ما دامت تلك المشاكل تلاحقه الواحدة بعد الأخرى وتأتيه الضربات من حيث يدري ولا يدري. ثم أضف عدم التوصل إلى استراتيجية أمريكية متماسكة يمكن الثبات عليها: استراتيجية تعرف ما تريد وتعرف كيف تحقق ما تريد. وهذا ما كان حال السياسات الأمريكية في السابق حتى نهاية الاتحاد السوفياتي.
فقد دلّت التجربة خلال العشرين سنة الماضية أن أمريكا متخبّطة ترتكب الأخطاء الاستراتيجية الفادحة ما دامت تضع أولويات استراتيجية غير مدروسة جيداً وغير مطابقة لموازين القوى عموماً. ويكفي تدليلا على ذلك بروز المنافسين الأقوياء عالمياً وإقليمياً كما ضعف تماسك حلف الناتو وفقدان أمريكا لسيطرتها العالمية، وصولا إلى رئيس ليس كمثله رئيس سابق بضحالته وسطحيّته وقراراته الهوائية واهتزاز علاقته حتى مع طاقمه الذي جاء ليعينه على تحقيق وعد النهوض بأمريكا من جديد.
طبعا، ما تقدّم يمثل حالة الإرباك التي تعاني منها الاستراتيجية والسياسات الأمريكية في الوضع الراهن. وكان اختيار وزيري الدفاع والخارجية وجنرال الأمن القومي يشير إلى احتمال تشكّل استراتيجية أمريكية جديدة ذات فعالية. وقد شجّع على هذا الاستنتاج لقاء ترامب مع مجموعة من القادة العرب فرادى ثم عقد قمة الرياض بمشاركة حوالى 53 رئيسا عربيا ومسلما. وبدا كأن ما بعد هذه القمة ستبدأ سلسلة سياسات لمواجهة إيران وحزب الله وحماس، بما في ذلك سعي إدارة ترامب لعقد صفقة تاريخية لتصفية القضية الفلسطينية.
وعلى أن ما حدث بعد ذلك جاء معاكسا تماما ليس بسبب المقاومة التي واجهها فحسب وإنما أيضا بسبب اختلالات داخلية وفوضى في جبهته نفسها.
فقد كشفت الأحداث بعد ضرب الحصار على قطر ومضي أكثر من شهرين عليه، أن أمريكا في البداية انقسمت حوله بين ترامب ووزير دفاعه وخارجيته. ثم مال الموقف للتقارب بعد تكليف وزير الخارجية الأمريكية القيام بجولة مكّوكية بين المعنيين، ثم عودته بخفيّ حنين. أما من ناحية أخرى فسرعان ما تبيّن ان أغلبية دول العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ووسطا لم تشارك المحاصِرين موقفهم. ودعت للحوار والحل المتوافق عليه بين طرفي النزاع وتحت السقف الخليجي (الوساطة الكويتية).
على أن المحصلة الواقعية كانت عملياً تحويل بوصلة الصراع ضد قطر أو صراع إقليمي – خليجي. وبهذا ماذا يكون ترامب قد فعل بعد قمة الرياض؟ أو ماذا يكون قد فُعل بسياساته وقد توهّم البعض بأن ما عقده من صفقات مالية كافية. وهي في الحقيقة، على أهميّتها بالنسبة إلى الاقتصاد الأمريكي إلا أنها من الدرجة الثالثة والرابعة عندما تناقش النتائج السياسية. فمن ناحية استراتيجية خسرت أمريكا كل ما راهنت عليه في قمة الرياض، أو في الأقل حتى الآن، وبسبب انتقال بوصلة الصراع إلى محاصرة قطر.
أما على مستوى الصفقة التاريخية بالنسبة إلى القضية الفلسطينية فبعد تفاهم ترامب مع محمود عباس على فتح حرب ضد حماس في قطاع غزّة، ترجمه محمود عباس بتخفيض الرواتب ثم بوقف توريد الكهرباء إلى غزّة، ووقف الدعم التعليمي والصحي والاجتماعي لقطاع غزة، أي تجويع غزّة وخنقها وحرمانها من الطاقة والأغذية والأدوية والمساعدات الأخرى. أما الهدف، فالاستسلام الكامل وتسليم كل المجالات بما فيها الأنفاق وسلاح المقاومة للأجهزة الأمنية في الضفة الغربية. وهذا يعني وضع حماس أمام خيارات صعبة بعيداً عن خيار الاستسلام وتسليم السلاح والأنفاق. وهو الخيار المحال، وبديله، في نهاية المطاف، إعلان الحرب على الكيان الصهيوني.
والغريب المدهش هنا أن مصر (والإمارات) تحرّكت لاستقبال وفد من حماس برئاسة السنوار والتوصل إلى اتفاق أمني معه يهم مصر، إلى جانب خطوات تتعلّق بالوقود وكيفية فتح معبر رفح وقضايا أخرى. وكان محمد دحلان العدو اللدود لحماس من بين هذه الخطوات التي اخترقت سياسة ترامب – أبو مازن – نتنياهو في محاصرة قطاع غزّة اختراقاً جزئياً (والجزئي هنا أهم من كلّي في مكان آخر). كما كانت رسالة مصرية تقول إن أيّة سياسة تتعلّق بغزّة يجب أن تمرّ عبر مصر.
إن ما تستهدفه هذه المقالة هو تحديد مدى الإرباك في سياسات ترامب وهبوب الرّياح على الضد بما تشتهي سفنه: الأمر الذي يسمح بالقول إن ترامب فشل في سياساته ولم ينفعه ما جمع من أموال في قمة الرياض لأن المال لا ينفع إذا كانت السياسة فاشلة والاستراتيجية مرتبكة.
هذا ويمكن أن يقال الشيء نفسه على فشل سياسات ترامب بالنسبة إلى علاقته بروسيا. فلم يكد يحقق نقطة تفاهم مع بوتين في قمة العشرين حول مناطق تخفيض التوتر في سوريا، وإذ بالكونغرس يصدر قراراً بزيادة العقوبات على روسيا (وإيران وكوريا الشمالية)، وبشبه إجماع مما اضطر دونالد ترامب على توقيعه وأنفه راغم.
وقد فعل هذا القرار فعله في إفشال سياسة ترامب بعد قمة الرياض من جهة، ومكملا ما فعله قرار مصر – الإمارات في إفشال سياسة ترامب مع محمود عباس في اتخاذ خطوات الحصار الخانق لحماس وقطاع غزّة من جهة أخرى.
وخلاصة، أثبتت الوقائع أن دونالد ترامب في حالة فشل سياسي متسلسل خارجيا. مما يجعل معاركه الداخلية أشد خطرا على بقائه في الرئاسة من حيث أتى.