أخر الاخبار

وبعدين معك يا سلطتنا !!

وبعدين معك يا سلطتنا !!
للسلطة شوال حسنات، لا يريد احد الاعتراف بالحد الادنى منها، وعليها شوالات من السيئات، وانا مع ذلك أشفق على السلطة ايما اشفاق، لأنها لا تستطيع تسويق حسناتها، ولا تستطيع الدفاع عن نفسها وتبرير ما يمكن تبريره من السيئات، غير ان شفقتي تتحول الى غضب حين ارى السلطة ماضية بإمعان في اجراءات تسبب لها تدني الشعبية وتراجع الهيبة.
لا ينكر شوال الحسنات الا الجاحد، وصاحب الموقف المسبق، بما في ذلك الداعين الى حل السلطة دون التفكير إن كان بديلها فوضى وفلتان، او احتلال، او نسخة هزيلة تابعة للاحتلال. هؤلاء يستطيعون تفنيد أي حسنة او وضعها في مواجهة السيئات او ابطالها بإجراء مقارنات ظالمة بين السلطة وحكومات الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا والمانيا وغيرها. ولكم في تحويل قصر الضيافة الى مكتبة وطنية مثال حي على ذلك.
ومع ذلك لا يجوز لوم الجمهور، فهو صاحب حق وجدارة، ويجب ان يكون لديه حس نقدي وطموح، من يجب لومه هي السلطة، والسلطة فقط، لأنها الراعية ونحن الرعية، لأنها قاضية الحاجات ولأننا اصحاب الحاجات، ولان صاحب الحاجة ارعن، ولأن من يريد ان يشتغل جمالّا يجب ان يعلي بابه ويوسع صدره.
انا ايضا اريد اجراء مقارنة بين السلطة وحكومات الدول المتقدمة، إن لم يكن في مجال ممارسة السيادة وحماية الشعب من العدوان وامتلاك القدرات الاقتصادية، ففي مجالات يمكن تحقيق انجاز فيها.
تستخدم الحكومات القبضة الحديدية والتشدد حينا والتساهل احيانا أخرى ولكن كل في موضعه، وبما يخدم تنفيس غضب الشعب والتخفيف عنه، وزيادة شعبية الحكومة، ولكن دون اغفال الحفاظ على النظام العام، هذا في العالم، اما لدينا فان التشدد والتساهل لا يستخدمان ابدا في موضعيهما.
مثلا يجري التشدد مع بعض من يعبرون عن آرائهم بشكل صارخ وربما بحسن نية، في حين ان هذا هو الموضع الاسلم للتساهل، ويجري التساهل مع آخرين يبيعون بضائع فاسدة، فنكتفي بعقوبة مخففة ونتستر على اسمائهم، ويجري تساهل مماثل مع مرتكبي مخالفات السير والبناء والمعتدين على الارصفة.
يجري التشدد في اغلاق مواقع الكترونية بدلا من التساهل معها او انذارها ومطالبتها بتصويب اوضاعها، في حين يجري تساهل مع من يفتحون مرافق صحية وخدماتية وترفيهية غير مكتملة المواصفات والمقاييس، ولا نفطن الى التشدد الا بعد وقوع كارثة.
وبذلك لا تكسب السلطة هيبة ولا شعبية لدى من جرى التساهل معهم، ولا تحظى باحترام ضحايا هؤلاء المخالفين، بل تكسب وعن سبق اصرار وتعمد نقمة متزايدة واتهامات بالفساد، وتتراجع شعبيتها المتراجعة اصلا، وتهبط هيبتها الى الحضيض.
تخيلوا ان السلطة لم تستطع الى الآن اجبار بلديتي نابلس والخليل على تسليم ما لديها من معدات وسيارات اطفاء لجهاز الدفاع المدني!!!.
وعلى نحو مشابه تمارس الدول والحكومات في العالم الاستعجال والتروي طبقا لمعيار الطوارئ والحاجات والاولويات، اما لدينا فان الاستعجال لا يتم في موضعه اطلاقا، بل اننا لا نقوم بالمطلوب الا حين يصبح متطلبا دوليا او ضروريا لتنفيس ازمة من الازمات. فالسلطة لم تؤمن بعد بان درهم الوقاية خير من قنطار العلاج.
مثلا تتروى السلطة منذ عام 2005 في اقرار قانون الحق في الحصول على المعلومات، ولكنها تستعجل غاية الاستعجال ودون ادنى حدود التشاور في اصدار قانون المجلس الاعلى للإعلام ثم تعاود سحبه، مخاطرة بهيبتها، وتكرر ذات الامر مع قانون الجرائم الالكترونية، تنشره متعجلة ثم تبدي استعدادها لتعديله.
كان من الاولى اقرار قانون حق الحصول على المعلومات، ووضعه موضع التنفيذ، لأنه نوقش برلمانيا وسلطويا ومجتمعيا، ولأنه قادر على الحد من الاشاعات التي تغرقنا، ولان من شأن تطبيقه ان يحسن البيئة الاعلامية وبالتالي تصبح القوانين الاخرى اقل احتياجا للتشدد واكثر تقبلا من المجتمع.
ختاما لا باس بالشدة يا سلطتنا الوطنية، نريد شوارع دون ازدحامات مرورية يتسبب بها سائق ارعن تتساهلون معه، نريد افراحا خالية من منغصات يتسبب بها نفر ضال يطلق الرصاص والمفرقعات الى ما بعد منتصف الليل، نريد مرافق خدماتية مكتملة المواصفات، لا مجال هنا للتساهل مع اصحاب رؤوس المال الذين سيجنون الربح منا سريعا، نريد خدمات مصرفية لا غش فيها ولا تدليس، نريد مسؤولية اجتماعية حقيقية من الشركات الكبرى وليس مجرد دعايات رمضانية، نريد متاجر خالية من بضائع فاسدة يهربها مجرمون، نريد مطاعم ومحلات عصير مراعية للمواصفات الصحية، ومقاهي تمتنع عن تقديم الارجيلة للصغار، نريد شرطيا نحسب له الف حساب. ونريد انضباطا عسكريا يحسب الشرطي له الف حساب، ونريد وزارات لمداخلها ولموظفيها هيبة ومكانة.
تشددوا مع الاوغاد الجشعين المستهترين بحياتنا، وتساهلوا مع كل ما له علاقة بحرية الرأي والتعبير، فالرأي وجيها كان، او سخيفا لا يواجه الا بالرأي، وبغير ذلك لن تتحسن سمعتنا الوطنية ولن نثبت جدارتنا بدولة، ولن ننال شعبية واحترام الجمهور.
فاتكم ان تقطعوا رأس القط في بدايات السلطة، وبات عليكم تدارك الامر بوضع الحجر في موضعه لكي يعادل قنطارا، وان تمارسوا كل شيء في اوانه الحلو ومكانه الصح.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-