أخر الاخبار

أحداث هزت المدينة

*أحداث هزت المدينة*

تخيلو تلك البيئة الهانئة التي نشأت فيها، بلدة وادعة تنام على كتف الصحراء، ميسمها المحبة والبساطة والنقاء، لا يكاد يمر احد باحد الا ويبادره التحية، او القبلات، حتى انه حين قدم ابن خالتي "نعيم الصراوي" من العاصمة في زيارته الاولى للمفرق، و رحت اجيبو من مجمع الباصات للبيت، وقد كنت حينها في بداية تعلمي العزف على العود..قال لي: (وااااال..كل هالناس بتعرفك هون يا عبووود.. والله شكلك مشهور يابن خالتي..ما شالله عليك..)، انا بصراحة غرشت،.. ولم اشأ ان اقول له..شو مشهور وشو بطيخ..الناس هون كلها بتسلم عبعض، واذا ما لقيوش بعض بسلمو على بساس الشوارع.. الصحيح هو ان قاعدتي الاخلاقية "لا تكذب"، اما تصحيح تصورات الناس فهي ليست شغلتي وخصوصا ان كانت تلك التصورات تثير بهحتي.

في الصباح الباكر، كانت تستفيق البلدة ببطئ شديد كعذراء تتمغط في فراشها الدافئ الوثير، لا ضجيج مركبات ولا باعة تجول الطرقات، ما خلا صوت الة مكبس الطوب، القابع على اطراف المعمورة، يشق صوته الصمت مع بزوغ خيوط الشمس الاولى، صوت رتيب وجميل يخالطه نباح كلب هنا او نهيق جحشة هناك، سيارة وحيدة في الحي، يهرع الجميع في طقس شبه يومي و احتفالي لدفشها ومن ثم تعشيقها وتشغيلها، لتنطلق مهرولة تجر خلفها دخانها الاسود الكثيف، وابتسامة حبلى بألف معنى ومعنى تعكس مدى الدهشة بهذا الاختراع اللطيف، فتلهج الالسن بتسبيح الخبير اللطيف..

بغلة العم (ابو محمد المثاني) بياع الكاز، وحدها تجول الطرقات، فتنثر الروث والبركات، كنت أخاله (رحمه الله) من نسل نابليون بونبارت..بلباسه الجلدي الانيق الرصين، ثم قلت لنفسك (ايخسى نابليون، هذا الرجل هو زاتو صلاح الدين)..

فجأة ومع اطلالة عقد الثمانينيات وقعت جملة من الأحداث الغريبة التي هزت المدينة، وكان لها وقع واثر في ذاكرة الساكنين، المسالمين والمسلمين على بعضهم بعضا يسارا ويمين، منذرة بنهاية عصر جميل، يخلو من السكينة والمساكين..كان اولها، جيش اليرموك، ثم ضبط جاسوس لاسرائيل ، ثم وفاة قاضي و وجيه في المدينة بضروف غامضة واليمة وصولا لموجة الشباب اليافعين الذين تسللو لفلسطين عبر نهر اليرموك.. لكن دعوني ابدأ لكم اليوم بجيش اليرموك..

حين اندلعت الحرب الايرانية العراقية مطلع العقد الثمانيني.. راح ابن الحرام آية الشيطان الخميني..يكرفت على الجبهة الشرقية لبلادنا العربية..ارتالا من هالجنود، وصارو ينطنطو بوجه الجيش العراقي مثل لقرود.. المرحوم صدام حسين..اجتو فكرة كويسة بعدين، وقال ما الي غير صديقي الملك حسين، يرسلي فيلق من هالنشامى الاردنيين..المعروفين بالحروب..ودهاليزها، ممن اذا غضبو، وقضبو هالافواج رح يلعنو ابو تميسها.. الحكومة الاردنية الله يصلحها ويهديها ما نفذتش التوجيهات السامية على افضل وجه، وراحت تلملم بهالناس..وتخلط الاسد بالنسناس..يعني في ضباط محترفين متقاعدين..بس قلال، وصدام الاصيل بدو لواء كامل مش فصيل.. المهم.. احنا بهالمفرق بيوم وليلة..دور على هالزعران والمشكلجية ما لقينالهمش اثر (شيله بيله).. ثاريتهم ساحبينهم ومجندينهم كلهم وعاملينهم جيش وخفر..طبعا فيهم ناس كويسين واندفعو دفاعا عن الشرف والدين.. بس 99 .. منهم لقوها فرصة يشردو من المحكومية ومنها مغامرة وسياحة يتعرفو على هالبوابة الشرقية.

احد المتطوعين الذي حلفني يمين ما اجيب سيرتو بهالمقال، قال وصلنا ولبدنا كل واحد في تختو..وصرنا نلفلف عالفنادق ندور مشروب وكل واحد يجرب بختو..لكن كل ما خشينا فندق نلاقي قدامنا حدى من جماعتنا مسيطرين عليه، واشي نايم واشي فارد رجليه، نطلع علسطوح نتعلل ونتأمل ونتذوق نبيذاتهم، نلاقي جيش اليرموك ناشرين فوق غسيلاتهم..ضابط عراقي اول ما شافهم بلحياتهم وقذلانهم واحوالهم المرتخية..قاللهم انتو جيش ولا حرمية..المهم..رحم الله من مات منهم، لانو صاحبي خبرني انهم كانو يوم يطبخو بهالمناسف، لانهم العراقيين حطوهم اسناد بالخطوط الخلفية، وكانو منسدحين بقرنة، ومعطينها تدخين ومهيجنه، اجا الخنزير الخميني رمى عليهم صاروخ بحجم الميذنة..

في مدينتي كان منظرهم غريبا ولبسهم العسكري اغرب..لا هو فوتيك ولا كاكي بل هو للكيكاوي اقرب..نشوفهم بشعرهم الطويل وكل واحد فيهم شبه ابوعنتر..فيهم المحترم وفيهم الدايخ وفيهم الشيخ و الازعر، بس نقول اكيد هذول شغلتهم شغلة قوية..والدولة بهم اخبر.. رغم انها المدينة كلها كانت تشعر انو مش هيك يتحقق النصر المظفر.
..ثم دارت الايام وتعلمنا من صروف الدهر، ان هؤلاء النفر، كانو من الطهر اطهر، اذ لم يسرقو البلد، ولم يتركو الكد والجلد، وبلقمة العيش ظلت ارواحهم تتمرمر، لانهم لم يخونو الوطن، ويقدموه للشيطان على طبق من مرمر.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-