أراد والداه أن يفرحا به ويزوجاه وهو ابن الـ (16 ربيعاً), خاصة أنه الولد البكر لهما، وفوراً سعت والدته جاهدة لإيجاد العروس المناسبة له، وحين وجدتها وتم النصيب غمرت السعادة منزلهم وكان الفرح عنوان حياتهم لفترة من الزمن إلى أن حدث ما لا تُحمد عقباه.
لم يكمل زواجهما 6 شهور، حتى بدأت المشاكل الزوجية تطفو على السطح بين الزوجين المراهقين، نتيجة أنهما لم يستطيعا تفهم مسؤوليات وواجبات كل منهما الآخر، كونهما بسن لم يؤهلهما لذلك.
تدخل أهل الزوج (ج. ج) وأهل الزوجة (ر. ش) (15عاماً), لإنهاء الخلاف بين الزوجين واستدراك المشكلة وتخطيها فلم يستطيعا، كون الأمر تخطى الحدود ووصل بهما بألا يتقبل منهما الآخر, فكان الطلاق هو الحل الفاصل بينهما, وحصدت الأسرتان من هذه الواقعة حزناً شديداً لم تتغلبا عليه بسهولة.
والد الشاب يدعى (م. ج) يقول: إن عائلته شعرت بالصدمة نتيجة انهيار علاقة ولدهم الزوجية بتلك السرعة والبساطة، مشيراً إلى أنه كان في غاية السعادة وخاصة أنه زوج الابن الوحيد والبكر لهما على سبع بنات, وأراد أن يرى له حفيداً قبل أن يتوفاه الله, لكن حدث عكس ذلك تماماً.
ويعترف والد الشاب بأنه اقترف خطأً كبيراً بزواج ابنه وهو بسن المراهقة، الأمر الذي أفقدهم فرحة مستقبلية، وامتلأ منزلهم حزناً وبؤساً, مشيراً إلى أنه لم يكن يتوقع مطلقاً أن يتم طلاق ابنه من زوجته بتلك السرعة، كان يتأمل أن يعيشا حياة هنيئة ويكونا أسرة وينجبا الأطفال, لكن النصيب فوق كل شيء.
أرقام مأساوية لحالات الطلاق
وبحسب إحصائيات رسمية نسبت للمجلس الأعلى للقضاء الشرعي فإن العام 2015 الماضي يعتبر الأعلى من بين الأعوام الثلاثة الماضية في معدلات الطلاق بقطاع غزة, حيث شهد 3288 حالة طلاق بمعدل 274 حالة شهرياً, بنسبة 9 حالات طلاق يومياً في حال كان عمل المحاكم 30 يوماً في الشهر ولكن باستثناء يومي الجمعة والسبت كإجازة في كافة المحاكم تصبح النسبة بما يعادل 12 حالة طلاق يومياً, فيما شهدت محافظة غزة أعلى نسبة طلاق ومحافظة الشمال حلت ثانياً, فيما بلغ إجمالي عدد الزواج للعام 2015 ( 20778 ) عقداً, وهو الرقم الأكبر في أعداد الزواج منذ إنشاء المحاكم الشرعية بقطاع غزة.
قصة أخرى انتهت بالطلاق
فتاة تدعى مريم من مدينة غزة، تزوجت شاباً وأنجبت منه أطفالاً, وفي أحد الحروب على قطاع غزة، استشهد زوجها, فبات أهل زوجها يقنعونها بالزواج من شقيق زوجها، لكي لا يتشتت الأطفال, وأهلها أصروا عليها بالزواج منه كونها باتت أرملة، وتحتاج من يعيلها وأطفالها الصغار، وبعد إلحاح وإصرار من الطرفين وافقت بالإكراه دون رغبة منها.
وبعد فترة وجيزة من زواجها بشقيق زوجها الراحل انهالت عليهما المشاكل كون الزواج فرض عليها كرهاً، فلم تستطع أن تتقبله كزوج لها، إلى أن وصل بهما الأمر للطلاق، نتيجة عدم التفاهم بينهما وعدم استيعابها أن "سلفها" الذي كانت تعتبره شقيقاً لها بات زوجها.
أسباب ومسببات
الأخصائي الاجتماعي بالمركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات حسن عيوش، يوضح أنه يوجد أسباب كثيرة تؤدي إلى الطلاق, أهمها: الزواج المبكر للشباب والفتيات والزواج بالإكراه لهما, مشيراً إلى أن أكثر حالات الطلاق تتم في السنة الأولى من الزواج, والتي يحدث فيها التحول الاجتماعي لمسؤوليات الزوج والزوجة, وزيادة الأعباء المادية والاجتماعية على الزوجين.
ويؤكد عيوش أن التدخل السلبي من أهلي الزوج والزوجة بحياة ابنيهما, كإجبار الزوجة بالعمل داخل منزل"حماتها "ساعات مطولة, من طبخ وغسيل وتنظيف وعدم الاهتمام بمنزل زوجها, يؤدي إلى نشوب خلافات بين الزوجين قد تصل إلى أبغض الحلال عند الله.
ويضيف: "في السنة الأولى تصبح الفتاة مسؤولة لأن الزواج ليس فقط طقوساً للفرح والغناء وإنما مسؤولية, وتجد نفسها في مكان ضيق ومطلوب منها إعداد الإفطار والاهتمام بالزوج والمنزل وباقي الإجراءات المعروفة, مشيراً إلى أن الزوج أيضاً يجد نفسه في نفس الموقف بما عليه من التزامات ويضاف إليها البطالة العالية التي أعجزته عن القيام بمسؤولياته مع الإشارة إلى ضعف الوازع الديني لدى الشباب والذي أدى لانتهاك حقوق الزوجة, فدائما نطالب بالحقوق ولا نلتزم بالواجبات".
يوضح رئيس مجلس إدارة التدريب المجتمعي د. درداح الشاعر، أن هناك مسببات كثيرة لا تعد ولا تحصى للطلاق, لكن أهم سببين هما: عدم إدراك الزوجين لمفاهيم الحياة لزوجية, وعدم تفهم احتياجات كل منهما الآخر, ناهيك عن عدم إيفاء كل واحد منهما بحقوق الآخر, ناهيك عن تدخلات الأهالي المفرطة بحياة الزوجين, ما ينتج عن ذلك مشاكل قد تؤدي إلى الانفصال على الفور.
ويضيف: "غياب الوازع الديني بين فراد المجتمع الفلسطيني يعد سبباً رئيسياً أيضاً بانتشار حالات الطلاق بالمجتمع الغزي, ولو كل إنسان عرف حقوقه وواجباته لتقلصت تلك الحالات إلى أكثر من النصف".