أخر الاخبار

ردود أفعال حول مهاجمة وزير الثقافة الدحية

تعقيب على تغريدةٍ غير موفقة أطلقها أكاديمي رفيع المستوى ولا أريد ذكر اسمه صراحةً ...
صحيح أن استخدام آلة الأورج في التراث الشعبي البدوي بفلسطين والأردن الشقيق وتحديدا ما نعرفه بإسم "الدحية" أو "السامر" قد غيرت من هيئتها وطبيعتها بل إنها في رأيي أفسدتها وأخرجتها من رومانسيتها التقليدية الوقورة المحببة إلى عالم الصخب المتلاطم، وقد غيرت هذه الموسيقى الدخيلة من منهاجها العفيف المتميز بكونها منسجمةً ومهذبةً وفيها من الحياء ما يلاقي طبيعة البادية المؤدبة فعلا ولفظا إلى ملتقىً مشترك وكأنما هو حلبةٌ تجتمع فيها المتناقضات الفوضوية.  وقبل أن يعاتبني أحد فإنني أعقد المقارنة مع ما حظيت به في طفولتي المتأخرة أو مرحلة الصبا من رؤية للدحية والسامر بشكلها الحقيقي الأصيل في مراتٍ نادرةٍ من حياتي وما سمعته من كبارنا رحمهم الله عنها، ومن ثمَّ فقد تشكلت أركان الصورة المكتملة عنها لدي بالقدر الذي أوصلني للقناعة بما أطرح من مقارنات ومباعدات ٍ أو مقاربات. وإن الدحية البدوية أو السامر بحالتها القديمة الحقيقية وهي من أنماط اللهو الجائز العفيف لتبدأ بذكر الله والصلاة والسلام على خير خلق الله وتدعوا إلى مكارم الأخلاق وتثبت أركان الرجولة والشهامة والنخوة وحسن الخلق والإقدام والكرم والنخوة والإيثار- وحتى وإن شابها أحيانا من أنماط الغزل المهذب ما شابها إلا أنها تظل في الإطار الذي لاينافي الدين أو الخُلُق، ولايختلف مع العُرف والعادات والتقاليد السليمةِ التي طبعت عليها المجتمعات العربية وجُبلنا عليها نحن متبعوا الدين الحنيف، وتظل ذات طابعٍ رجولي عميق الدلالات والمفاهيم والتطبيقات.  أما عن الوضع الحالي للدحية والسامر فإنه لايخفى بالقطع حالة الهوس والإنجراف الشعبي التي حققتها هذه الظاهرة في السنوات القليلة الماضية، واستشرائها السريع في كل فئات شعبنا وجذوره وانطلاقها من بيت البداوة تخصصا إلى كل بيوت غزة عموما، بمدنييها و فلاحيها وقروييها ومن هم خلاف ذلك بل حتى إنها شملت مزارعيها ومهنييها وطلابها بكل فئاتهم، واجتاحت أبناء معسكراتها ومدنها وقراها بلا تمييز، وبرزت حالة استفحالها كظاهرة متواجدة في كل فرح مهما كانت درجاته وأصنافه (حتى السفير الياباني أخذ يتراقص مع أنغام الموسيقى التي واكبتها) .. كل هذا يجعلها في نظري أمرا يستحق الدراسة لدى من يهمه الأمر أكاديميا وعلميا وخاصة أولئك المهتمين بدراسة علم خصائص الشعوب، وشعبنا بطبعه ليس بدعا من الشعوب.  ولكن هدفي اليوم من كتابتي ليس بما تقدم ولكنه تمهيد لما أريد قوله إزاء تغريدةٍ أطلقها (إن صح ما رأيته) رجلٌ أربأ بمثله أن يأتي بما رأيت وقرأت، رجلٌ ناضجٌ كريم وذو مكانةٍ مرموقةٍ ومثقفٍ يحمل شهادة الدكتوراة في علمه ولكنه تمادى في الأمر وحبذا لو لم يفعل .. لو كان طرحك يا دكتور فيما يخص الغيرة على الدِّين، فأنا والله قبلك إذ إنني ضد كل بدعةٍ مُفسدةْ، بل إنني ضد كل ما يتنافى مع ديننا الحنيف العظيم القويم.  وإن كان قولك غيرةً على الموروث والتراث الخلوق المؤدب غير المنهي عنه أن يُساق به إلى ما يشينه فأنا أيضا معك،   ولكن أن ينفلت منك عقال القول يا دكتور (وتغلبك نزعة تبدو ملامح العرقية فيها) فتصف لغة البداوة بما وصفت من "تعجيم وتبهيم" رغم أنها أمُّ الفصاحة في اللغة العربية، فتطعنها باسلوبٍ تُشْتمُّ منه رائحةُ الاستكبار والتمايز المنبوذ بوصفها بما ذكرت!!! وغير ذلك مما جاء في كتابتك؟؟؟ لا والله يا دكتور فإن أهل اللغة والبيان والفصاحة والبلاغة وامتطائهم سروجَها وإمساكهم بأعنتها معروفٌ لهم وبهم وعنهم ذلك ويستدل عليها بهم وبها عليهم ألا وهم أهل البادية.  إنني أبدي استيائي الشديد من هذا ويتعين عليك يا دكتور (وأعرف عنك كرم الأخلاق والدين وهذا ما جعلني أخاطبك بما يليق بك وبمقامك) أن تعتذر عن هذا التوصيف غير الموفق بالمطلق بل حتما إنه سيجلب المثالب، ويفتح الباب على مصراعيه لذوي المآرب (وربما أنت لم تقصده ولكنه لايؤول إلا بذلك).  وإننا نظن أن مثلك حريٌّ به أن يكون أداةً للتقريب وليس المباعدة، ولرأب الصدع في جدار لانريد له انهياراً في مجتمعٍ تتفكك أوصالُه وتتتباعد أقطابه.   مثلك ومن هم في مقامك ليس دورهم إتاحة الفرصة للمتربصين ليخرجوا ضغائن قلوبهم فتزداد الفرقة المجتمعية ويطلق العنان للانقسام المجتمعي المؤلم ... كفانا الانقسام السياسي البغيض وعواقبه الوخيمة وهذا موضوع لن أخوض فيه لانعدام الضرورة في هذا الموطن ... أدعو الله أن يجمعنا على كلمة سواء ترضي الله عنا وتحقق مصالح أمتنا وشعبنا ... إنه سبحانه على كل شيء قدير ...

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-