أخر الاخبار

الكسيح الذي هبط من السماء..فقلت "خذلك"..

الكسيح الذي هبط من السماء..فقلت "خذلك"..

عواد سعيد..اسم لن انساه ما حييت، لم ارى في حياتي ولن ارى ابشع من خلقتو..رجل في عقده السادس. يقطن في احدى قرى المفرق. دخل عندنا في مستشفى الزرقاء العسكري قسم الجراحة للاشتباه بالسرطان (رغم انو من شكلو بتحسو هو السرطان)..كانت رئيسة القسم سيدة ضخمة المنكبين برتبت (مقدم) وكان لها مشية مهيبة مريعة تشبه (كابوكي) وكنت عريفا حديث العهد بالتمريض..كرهتني منذ اللحظة الاولى التي رأت فيها سحنتي..لم اعلم سبب واضحا لكرهها لي سوى انني ظننت بأني قد اكون اشبه احد الرجال الانذال الذين مرو بحياتها وتلاعبو في ... مشاعرها، هذا ان كان لها مشاعر أصلا..فهي معروفة في المستشفى كله بالمرأة الحديدية..ويا ويل الي بيوقع بطريقها...

وقعت بين يديها مرة حين وشى بي ذات يوم احد الزملاء انني اعطيت مريضا ابره في مؤخرته..من فوق البنطلون..تعاجزا مني عن تشليحه في سريره .. كان عجوزا مشلولا قلت في عقلي ما هو مش حاس.. فتسللت الى سريره ليلا ولم ارد ان اوقظه.. فعطوو هالإبره من هون وهو فعط من نومو ودب الصراخ.. من هون.طب شو اسوي كانو المرضى ما يخلوني اعطيهم ابر وبدهم سيسترات قدام وانا نفسي امارس دوري.

المهم.. اشهد بالله انها كانت لطيفة معي يومها ولم تتخذ بحقي اي اجراء قانوني سوى انها ندهتني الى مكتبها وقالت لي بالحرف الواحد :

_ اسمع ولا..ا ذا بتعيدها مرة ثانية بحشي هالابرة ب..

قلتلها مفهوم ستي.. ومن يومها حطتني بمخها وتحت نظرها..

سمعت انها قالت في غيابي انني مشروع كارثة موقوته..واوصت بنقلي الى اي مكان خارج قسمها واذا كان النقل خارج المستشفى احسن..او خارج الزرقاء كلها ..احسن واحسن..
ظلت تكرهني وتتربص بي لتفتك بي..ولم اعطها فرصة للضفر بمبتغاها..الى ان هبط علينا المدعو عواد سعيد..الله لا يسعدو..ويلعن ابو شكلوو..

كان يلفلف راسه بشماغ احمر لم اعلم بشرا في حياتي يضعونه على هذا الشكل..ما بتعرف كيف لافوو اخو هالملفوفه..وعيون صغيرة وحادة تفوح منهما رائحة الخباثة ..تتلصلص من خلف اللثام..وفروة شتوية بعز اخت الصيف..ويأبى الا ارتداءها طوال الوقت..حتى اثناء ذهابه الى المرحاض.ما علينا منو..الله يرحمو..اكيد هسع الجماعه فوق ملفلفينو..ومدفيينو..قد ما هو نجس..

تشاء الاقدار ان تضعني وابو فروة على ذات المسار..حين طلبت مني رئيسة القسم"كابوكي"..ان اتجهز صبيحة اليوم التالي لاخذ عواد معي بسيارة الاسعاف الى مستشفى البشير ليجري هناك صورة ملونة او شيء من هذا القبيل يتعلق بالسراطين...بجهاز اشعة لم يكن متوفر لدينا...قلت حلو..اجت والله جابها..قالتلي بتعرف الاجراءات.. قلتلها ذيبك.

كان الخروج من الدوام والزعرنه بسيارة الاسعاف والتطويط والتفحيط فيها بشوارع عمان..مبعث سعادتي..وهو الشيء الوحيد الذي يثلج صدري ويبعدني مؤقتا عن غضب وتسلط هذه المرأة.. وبوزها المنكود..كما يجعلني امضي يوما بهيجا في مستشفى البشير احوس بمريولي الابيض بين البنات والجماهير الغفيرة هناك..واتلذذ بسؤالهن لي اين القسم الفلاني..هناك يا ملاك..اين قسم العيون..هناك يا مزيون..اقرأ لنا هذه الصورة الاشعاعية..حاضر يا بهية..اخي كيف نتيجة هالفحوصات المخبرية ؟..لوز ومهلبية... الخ .. طبعا والعديد من الاسئلة التي اجترح اجوبتها من عندياتي..

وصلنا مستشفى البشير وعواد ملفوف خلفي..وضعته هو وعبايتو وعيونو النجسات في الكرسي المتحرك ورحت اتهادى به بين جموع المعجبين والمعجبات..وانا ابحلق في الوجوه الجميلة..بعيدا عن وجهه رمز الرذيلة...وكان هو ايضا يبحلق اكثر مني بهالنسوان..وعامل حالو دايخ وتعبان..سلمته لممرضة في قسم الاشعة..وقالت لي تعال بعد ساعة واستلم مريضك..قلتلها خووووذي راحتك..ولا داعي للاستعجال.

خرجت انا والسائق نلفلف شوي بشوارع العاصمة وصولا لمجمع رغدان.. بسيارة الاسعاف ومعطنا صحنين فول وواحد حمص و 5 حبات فلافل مع كاستين شاي.. وطال بنا حديث التهليس ومراقبة الرايحة والجاي..حتى سرقنا الوقت ولم نشعر الا بمضي ساعتين..وساعة اخرى في طريق العودة للمستشفى نظرا لازدحام منطقة الاشرفية وقت الظهيرة..
رحت اهرول لقسم الاشعة..قيل لي ان مريضك غادر منذ ساعتين..يا حبيبي..دور هون دور هون ..فش الو اثر هالقواد بكل المستشفي..لفلف عالاقسام..فش.. طيب وين اختفى هالغراب ..تقول فوص ملح وذاب.

راحت العديد من السيناريوهات الكارثية تتصارع في رأسي..ترى ماذا ساقول لكبوكي ان عدت الان بدون عواد..اتراه الان مات؟ ماذا سنقول لاهله؟ كيف اواجه ربي وظميري ان حدث له مكروه..(في الحقيقة هذه الاخيرة لم تشغلني كثيرا لكنها وردت للحظة بالحسبان ) ..

ولك يا مصطفى شو نسوي هسع (مصطفى سائق الانبلص) شب نصف لطيف من المزار باربد..رغم اني دفعت عنه حساب الفطور ولهط صحنين فول..الا انه لم يتردد ان يجيب من فوره.. ( ما بتريش..هاضا شغلك اته..واني ماليش خص..)

بدأت اعراض صحن الفول تظهر جلية على وجه السائق مصطفى الجراح..فزادته بلادة فوق بلادته الطبيعية..
_ ولك يا مصطفى احكيلك كلمة يا بني ادم..شو نسوي هسع..نرجع للزرقا؟ اندشر الامبلص بالبشير ونشرد؟ نشتريلنا فروة بطريقنا مثل فروة عواد نرجع فيها ونقول اكله الذئب..ولك اعطيني اي نصيحة..

اخيرا..حين رأى حزني وهواني على نفسي وعلى الناس..قال لي..اسمع ابوشاهين..بدي اسألك سؤال..

اقسم انني فرحت كثير حين نطق مصطفى بهذه الكلمات وادركت انني لست وحيدا في هذه الورطة..

_ ارجوك يابو صطيف تفضل اسأل..
_ هسع منووه الي وقع على استلام المريض انا ولا إته؟

خذلك هالحقير..
رغبت ان اقول له..وانو الي صارلو ساعتين بلهط بصحن الفول حتى ضيعنا المريض يا عرص .. انا ولا اته..؟

لكن تراجعت وقلت في نفسي يا ولد تحلا بشيء من الحكمة وهذا ليس الوقت المناسب لكسب العداوات..فاكتفيت بان اجبته بالقول..اخي مصطفى في مجال تسكرلي نيعك هسع..

طال بنا الانتظار والساعة اوشكت على الثانية ظهرا..ولا اثر لعواد..اه كم اتمنى ان ارى تلك الفروة الحقيرة..فقد باتت في قلبي الان جد اثيرة..

عدنا نجر اذيال الخيبة..وانطلقنا الى مستشفانا في الزرقاء..كان كل شيء يمر بي كئيبا حزينا..عكس ما رأيته في رحلة القدوم..ومصطفى يزم شفايفه محاولا ان يظهر لي بعض التأثر المصطنع..بس البلاهه كانت واضحة في خشومو..

وبينما كنت ارتب اقوالي وانتقي كلمات مؤثرة اجيب فيها على السؤال المحرج الذي ستنطحني به رئيستي فور وصولي (وين المريض) ..
وفجأة..قطع حبل افكاري صوت المسجل الذي اداره مصطفى بالسيارة اغنية " الحياة حلوه بس نفهمها.." 

شو اقلو لهاضا الجحش..

اقسملكم بالله يا اخوان بطريق الذهاب للبشير صباحا وانا مبتهج وابو فروة مصطهج ورائي..ومصطفى حاطط شريط قرآن..وبلعودة بلشت الاغاني..شو هالبني ادم..رمقته بنظرة حانقة وقلت في نفسي نيال مرتو فيه..هاضا هو الي بيقدر يجلط النسوان بسهوله بما اته الله من بلادة فطرية عز لها النظير..

_ سكرلنا هالزفت..

_ئي ..شو مالك يازم..بتي اغيرلك مزاجك..شايف حالتك يابوشاهين صارت غطيطة..

_ غطيطة؟

وصلت المستشفى وكم كنت اتمنى لو تطول الطريق اكثر..رأيت تجمهرا وخلق كثير امام مكتب رئيستي وحالة من الفوضى والهرج والمرج غير المألوفه في مثل هذا الوقت من النهار..فموعد الزيارة لم يبدأ بعد الساعة لم تصل الى 2 وقت دخول الزائرين..شو في.. معقول تكون رئيستي ماتت.. يا حبذا..معقول يكون عواد اجى وسبقنا لهون..يا حبذا..فجأة ابصرتني بنظرها الثاقب وسحنتها المنكودة..والشرر يتطاير من عينيها .. فهجمت علي وجرتني من كتفي الى زاوية قصية بعيدا عن المتجمهرين.. قلت في نفسي لا بد انها ستفتك بي الان..صرخت في وجهي قائلة:

_ وين عواد؟

رغم بساطة السؤال المباشر المكون من كلمتين..الا انني شعرت به اعقد سؤالا سؤلته في حياتي..واردفت قائلة:

احكي ولك..شومالك انخرست؟ هسع اتصلولنا اشعة البشير وقالو لم يحضر الممرض لاستلام التقرير العاجل ولا المريض..
- خليني يا سستر اشرحلك..
_ ولك شو بدك تشرحلي..هذول اهلو واولادو وعشيرتو كلهم جايين وصوتهم طالع بدهم يشوفوه ويفهمو شو وضعو..

حبيبي..كملت..

قبل شهر فقط تعرض قسم الباطنية لهجوم مسلح من افراد عائلة احدى المرضى الذي توفي واتهمو الطبيب بالاهمال..وراحو يطلقون النار باتجاه القسم ولم ينفضو الا حين تدخل الجيش..
اختصرت عليها الامر وقلت ..بصراحه ضاع..

_ضاااااع؟؟؟؟ مع صرخه مكبوته من حنجرتها القوية..خوفا ان يسمع المتجمهرون ويطخونا..
قالت لي اسمع..اطلع من هون بسرعة..وروح جيبو ولا تسألني كيف..بدك تخلقوو زي الله ما خلقك..

_اخلقوو؟ 

_ في قلبي قلت.. طيب كيف بدي اخلقووو..واذا قدرت ان اخلق شبيه الو ..كيف بدي اخلق فروتو الفريدة..؟ 

بعرف يا اصدقائي انه مش وقت مزح ولغوصة..والموضوع اصبح خطير خصوصا حين لمحت احد المتجمهرين وانا مغادر يلبس على صدروو حزام مزركش يتمنطق به من كتفه الاعلى الى خصره..اكيد فرد..بدهاش مفهومية..يعني واحد لابس فروة شو بدو يخفي تحتها بوكيه ورد..مثلا.

جلست على باب المستشفى عالبنكيت امام الشارع الرئيسي..وضعت يدي على خدي حزينا كسيرا..ربي لمن تكلني.. لهذه النجسة التي تتربصني..ام لمسلح يريد ان يطخطخني..
بدات بمناجاة ربي ..معقول يا ربي تكون متضايق مني لهالدرجة..والله انت بتعرفني مليح..وشايف كم انا مسكين وفقير ومريح..ارجوك لا تتركني وحيدا مع هالتماسيح..

وبينما انا احلق بنظري في الفراغ..وفي البعيد ..فجأة.. اطلت في الافق سيارة ( بك اب ) قديمة ام غمارتين تتهادى ببطئ ..راحت تقترب وتقترب مني اكثر فأكثر.. نظرت بداخلها..ثمة نساء كثر..وسائق ملثم بشماغ احمر..اتراهم طلبو الجماعة الامداد؟ اتراهم زائرون من بلدة عواد..اتراهم احضرو النساء للنواح..اقترب "البكم" اكثر واكثر..فانكشف صندوقه الخلفي عن اجمل منظر رأيته في حياتي..عواد جالس بالصندوق هو وكرسيه المدولب..وقابض بكلتا يديه على عمود الصندوق الامامي وكانه يتزلج على الماء..الله ما اروعه من منظر..الله ما ابهى وازهى واحلى تلك الفروة..بدت لي اكثر جمالا مما كنت اظن..
_عواد سعيد..يا زلمه انزل جاي انزل..وك وين كاين..؟ والله شغلتني عليك كثيييييييييييييييييير 
_ انا الي وين كاين ولا انت يا هامل..؟ 

هامل.. كلمة قد تكون جارحة..الا في هذا الموقف ابهجتني..هسع مش وقت هامل ومش هامل..
علمت من سائق البكم انهم كانو في البشير لادخال مريض لهم وقدمو من المفرق ..فوجدو عواد سايح ذايح بعربايتو بين مواقف السيارات بالمستشفى ينتظرنا هناك..وطلب اليهم أن يوصلوه بطريقهم الى مستشفى الزرقاء فوافقو..غير ان معهم حريم..فلم يتردد هالقواد من الركوب بالخلف..بحب يشم هوا ابو شخه.. قال..

طيح جاي يا عواد طيح..وخلصنا اهلك اشتاقولك وانا بعرفك بتحب لكنافة..اسمع بدي اروح امعطلك كيلو خشنة..حلوان.. بعودتك الميمونه ..بس بشرفك اوعك تجيب سيرة يعني قدام العالم انك رجعت لحالك..
في بادئ الامر لم يوافق على ستري..رغم اغراءات (كيلو الخشنة) الذي راحت عيونه الصغيرة تتراقص فرحا لدى ذكرها..لكنني حسمت الامر لصالحي حين اردفته بالقول..بتعرف يا عواد بلاحظ رئيستنا المتينة..اشتاقتلك وسألتني عنك كثير وانا فهمتها انك شخصية مهمة في بلدك..يعني بوزن رئيس بلدية رغم علمي ان سحنتك سحنة زبالين..وحاسس المره حبتك...
ملس باصابعه المتيبسة من وعكاء السفر على شنبه الطويل الاشيب..وقال ..
حسنا للننطلق الان..
#ابوطراوة

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-