أخر الاخبار

الخفافيش التي استنفرت

ما أن طفت على سطح أنباؤنا الفتحاوية، برقيات قصيرة، تؤكد على أن السياق قد بدأ، لاستعادة اللحمة؛ حتى خرجت من جحورها خفافيش ظلام، عششت في ثنايا وشقوق حركتنا الرائدة. بدأت هذه الطيور الكريهة، في تطيير شهيقها وزفيرها، وإرسال تهديداتها بإمضاءات مجهولين. وكأن المتحرجين من أسمائهم ومن ملامح وجوههم، يمكن أن يكونوا جديرين بحمل رسالة أو بالإبلاغ حتى عن نبأ حريق، فما بالنا بتنصيب أنفسهم حراساً للشرعية الثورية، أو الجلوس على منصة الحكم على الناس وتوصيفها!

لكن الذي غاب عن أذهان الخفافيش، أن حركتهم الفجائية في سياقهم، دلّت أول ما دلّت، على استشعار المأزق، ليس عندهم كأفراد نكرات، وإنما عند أي طائر بوم، يقف وراءهم. وكأن واحداً، على مر التاريخ، أفلح في شطب معاني وضرورات وحدة الأحرار ووئامهم وأمنياتهم. ففي الحسابات الصغيرة، التي تحكمها وتدفعها الغرائز، يمكن للإنسان أن يقترف جريمة أو أن يسرق أو أن يقتل، وهذا، إن لم تطاله يد العدالة، فإنه سيعيش أبد الدهر، سقيم الوجدان، قلقاً مذعوراً. فما بالنا، عندما يتحسس الصغار مخاطر المشروعات الكبرى عليهم، بينما هم، ممن يتنفسون هواءً عفناً، وقد عُميت أبصارهم عن عذابات شعبنا واستعذبوا هوان حركتنا وضعفها، فسعوا الى ديمومة هذه الحال، لأنها الفضاء الذي يلائمهم ويسعدهم!

في سياق هذه السخافة، التي نتحدث عنها، أُرسلت التهديدات الى فتحاويين، على طريقة العصابات عندما تهدد أو ترسل الإنذارات لضحاياها، بحكم أن العصابة، بطبيعتها، لا تجرؤ على كشف وجوه أعضائها، ولا على الظهور في مؤتمر صحفي مثلاً. ذلك لأنهم، ينتحلون لأنفسهم القدرة على تحديد وجهة الحركة، وكأن المعلومين بالصوت والوجه، من قادة هذه الحركة، ليسوا أصحاب هذا الحق، وفي ذلك يقع السطو على الرُغم من أن الإرادات يستحيل السطو عليها وسرقتها.

استنفرت الخفافيش الصغيرة، كأن يداً رمت عليها مادة حارقة وأوشكت على إشعال عود الثقاب. وهؤلاء، لو كشفوا عن وجوههم، لتبين أنهم ممن تزلفوا لكل مسؤول، ولم يكن لهم رأي في أحد، قبل أن يقع الخلاف في الحركة. وعندما تحول الخلاف الى اصطفاف، ركبوا الموجة، لعلهم يفوزون بمواقع عمل، وأن يصنع لهم معلموهم أرجلاً من خشب، ولا بأس عندهم، بعدئذٍ، إن ظلت الحركة كسيحة، فيما هم يدبّجون التقارير ويتسببون في أذى الناس، في حياتها وفي رزق أطفالها!

الأشقاء العرب، الذين أسمعونا أول البشرى، بإعادة جمع الشمل الفتحاوي، نظروا الى المشهد كله، وأدركوا مدى تعقيدات المتاهة التي أدخلتنا فيها عناصر السوء والكيديات والفتن، وسعوا الى حدث نوعي، يعيد للحركة، رائدة النضال الوطني المعاصر، ألقها وحضورها الوازن في مجتمعها، وهذا واجب قومي لم يتأخر الأشقاء عنه، وهو بالنسبة لنا، أصبح شرط بقاء الحركة الوطنية ومشروعها.

لا أحد، في فتح الشاسعة كلها، يريد لحركته أن تغير طبائعها كحركة لا تتقبل زعيماً يهبط اليها بالمظلة، ولا مُكلفاً يكلفه آخرون غير أعضائها في مؤتمرهم العام وأطرهم. إن النظام الداخلي للحركة، هو الذي يحدد آليات فرز المكلفين بالعمل في الأطر، ومن يزعم غير ذلك، يسيء لحركة فتح، ويجعلها بلهاء،  قبل إساءته لأي كان، ممن يلفق لهم الاتهامات ويجعلهم خونة وآثمين. أما عندما تكون الخفافيش هي صاحبة هذا التوجه، فالأجدر بها أولاً أن تكشف عن وجوهها، لكي يراها الناس، وعندئذٍ تُعرف الحكاية.

هؤلاء الذين استفروا واعتمدوا وسائل عصابية من رسائل التهديد والثرثرات السخيفة، واستعادوا المواويل العقيمة في الشيطنة والتخوين، صغار ووضيعون، يظهرون في أوقات المحن، التي تمر على كل شعب وكل أمة وكل حركة. لسنا بصدد الحديث عنهم، وإنما بصدد الحديث لمن اندهشوا من وجود هذه الظاهرة.. ظاهرة الخفافيش التي استفرت!                

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-