في صيف العام 1995 كنت ممرضا في طبابة سلاح الجو في قاعدة الملك حسين بالمفرق..وكنت مصابا بالغرور كوني كنت اشعر انني فهمان في كل شيء طبعا بإستثناء التمريض..
المهم..حدث ان كان هناك تمرين وهمي على التعامل مع سقوط طائرة حربية..ويريد قائد سلاح الجو ان يشهد بأم عينه هذا التمرين ويرى جاهزية القاعدة..بعيونو التي اكلها فيما بعد الدود..
أما مديري في العيادة فكان طبيبا يشمئز من مجرد منظري، لم يكن يسأل نفسه هل سأجلب له كارثة أم لا، بل متى ساجلبها..عشية التحضير للتمرين الصباحي الذي ستنفذه القاعدة كلها امام القائد الشديد..وما كانش في بالعيادة ضباط صف ممرضين، غير انا وزميلي "خلف" أخضر العينين، فا رشح مديري، زميلي ونظيري، الشاب الظريف صاحب الدم الخفيف، والمسلك الحصيف، "خلف ابوعليم" ، للمشاركة في الدور المطلوب من العيادة الطبية، في هذا السيناريو (التمثيلية) ويتمثل في تحريك سيارة الاسعاف بجاهزيتها الكاملة عند الساعة 6. 35 دقيقة صباحا بالتمام والكمال، وعلموه قبلها بكل تفاصيل ماعليه فعله من خطوات بحذافيرها..وكيفية تلقي الاتصال عبر جهاز اللاسلكي في سيارة الاسعاف والرد عليه والوصول لموقع الحدث امام القادة الكبار الذين يراقبون ب "درابيلهم" في منصة الميدان الكبرى كأنه احتفال..
ااه..كم انت محظوظ ياخلف اللعين..كان شابا ودودا وراكزا وحكيم مش مثل حالاتي..وكم حسدته حين علمت ان فتاتي التي اعشق جمالها ودلالها سترافقه في سيارة الاسعاف..متدربة مسيحية تقطر حسنا ورقة وأدبا وعفاف.
اه.. كم اغرمت بلحظها الفتان..وجسدها الريان.. شو بدنا بأخت جسدها الان، ولكم خلونا بالتمرين.. هي بالمناسبة تركت الجيش وتجوزت واحد حنيش، سحبها على امريكا، وشو بسوي فيها هسع أبندريش..
نمت حاقدا حانقا ليلتها اشكو لربي ظلم العباد وقلة الزاد، وأدعوه أن يتدخل بإعجاز، وينتقم من مديري ابو الذنب الهزاز..الذي اضاع مني فرصة التقرب الى تلك الخدود ذات الغماز..
في الصباح..حدث مالم يكن بالحسبان..جاء من يوقظني من نومي عند الساعة الخامسة فجرا..ويقول لي تجهز سوف تحل محل الممرض خلف العيان..قلت من فوري اشكرك يا حنان يا منان..وينك من زمان.. بس مش هون المشكلة..لبست مريولي الابيض وحلقت لحيتي ثلاث اربع اشواط..لابدو وسيما جذابا شهيا كصحن المشاط..ذهبت لمكتب المدير القيت عليه تحية الصباح وانا مغبوط ، وهو عابس مش مبسوط (مش عارف مالو اخو هالشرطوط..) لم يرد علي الصباح..لكنه نهض من خلف مكتبه وبدى لي انه مش مرتاح، وأجا جنبي لزق فيني تلزيق، وهمس في أذني بصوت عميق، وراح يهزني هزا، حتى ظننت أنه سيمرجحني، و قال : لا تتخرين، قلت زدني، قال لا تتخرين، قلت زدني، قال لا تتخرين ولك إجازة أسبوعية، قلتو يا عمي انا مخي مش بالإجازات، أنا بهمني الانجازات ونبيض وجهك بالبشرى، حتى تنزاح عنو هالكشرة..(وهذا الكلام نوع من هزة الذنب الحميد، الذي لم يكن يلقى لدى سامعه اي ترحيب او تصفيق).
اخذت مرشحتي الجميلة وخصفت اشرح لها واعرط أمامها عن اهمية التمرين، ويجب عليها ان تراقبني بشكل حثيث طوال هذه الخبصة.. وتتعلم مني الدقة والرقصة..وأفهمتها أنهم اختاروني كوني الاكفأ والافهم والافحل، لعلي اضفر معها بفرصة كي اتدحدل.. ولم اترك لها عرطة الا عرطتها عن اهميتي ودوري المحوري، في هذا التمرين الدولي..وهي تصغي الي باهتمام شديد..حسبته من شدة شوقي، نوع من الاعجاب الفريد..
المهم..أنا ركبت بجانب السائق في سيارة الاسعاف..وامسكت بدوري كقائد الفريق (المكون منها فقط) بجهاز اللاسلكي الكبير..ورحت انظر اليها خلفي في المقصورة لاتأكد انها تراني بوضوح، وترى الجهاز بيدي مفتوح..وكنت اول مره امسك فيها جهاز بحياتي..
نظرتلكم للجهاز..ومخي مشغول في لعزاز..ساورتني بعض المخاوف..الله يغضب عليك يا خلف..لو جئت فقط للحظات وعلمتني كيف اتعامل مع هالمهدوم..من وين بيشتغل هاظ ..شو الاجراءات... قلت في نفسي مواسيا..يا ولد مش مهم، انت قدها وقدود، وقادر على التسليك..بعون الله والوطن والمليك..طبعا وتلك الخدود..
ها هو الجهاز يصدر صوتا..فرحت..تاكدت بنظرة خاطفة للوراء انها سمعت ذلك الصوت جيدا..وتتالت الأصوات ونحن نستمع ونقف في انتظار دورنا لنتحرك من مرأب سيارات الاسعاف امام العيادة..
- من صقر واحد الى صقر 2 كيف تسمعني أجب
- تش
_ الامور على اهبة الاستعداد في قسم الاطفاء..اجب..
تش
_ نعم سيدي..تش
_ طائرة السوبر بيوما في مكانها..اجب..تش
_ نعم سيدي..تش
المهم علمت لاحقا ان القائد العام للقاعدة وكبار الضباط كانو يجلسون في تلك اللحظة الصباحية المبكرة في منصة الميدان ومزاجهم متعكر أكيد بعض القادة كانت نسوانهم خابطاتهم بوز أو ما بعرف شو مالهم..وكانت الاجهزة اللاسلكية بأيديهم، أما القائد العام فعلمت أنه كان في هذه اللحظة ممتعضا وهو يراقب تراخي الاداء منذ البداية ويتشاور معهم في اعادة التمرين كلو.
*****
بينما نحن نترقب صدور الامر للإنطلاق وتشغيل اللواح كانت تمر الدقائق ثقيلة..وفتاتي بدأت بالضجر..وشعرت ان عيونها تقول لي تحرك.. اين الاكشن..إعملك شغلة.. أو هكذا شعرت..
الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه...اخيرا جاء الصوت...
- تش
- يا اسعاف..تحرك للموقع..
السائق انطلق مسرعا واشار لي بإصبعه الى الجهاز كي أضغط القابص لاتكلم وأرد بالجاهزية..الفرح يختلجني..االله أخيرا لقد حان دوري..وانبرى صوتي مجلجلا..وفتاتي ترمق نباهتي والمعيتي.. فأدليت على الجهاز بهذا الخطاب:
- بسم الله الرحمن الرحيم- تش، نعم سيدي تلقيتكم..اننا على اهبة الاستعداد، وها انا الممرض الرقيب عبدالله شاهين يحدثكم، من ها هنا، ياله من يوم عظيم بالبهجة طافح، وأنا منطلق اليكم كالبرق الكاسح، وسأكون عندكم في غضون ثواني باذن الله تعالى، وريثما اصل سيدي سوف أقوم ب...
لم يتركوني اتمم عبارتي، حتى سمعت صوتا في منتهى الوضوح والحدة والغضب يقول :
- (خلو الممرض يسكر ثمو)..تش.
#ابوطراوة