عندما تسمع لأول مرة عن ظاهرة استئصال أرحام الفتيات المعاقات ذهنياً يصدمك الأمر، لكنك أمام الحقائق التي وثقتها وزارة الصحة بالأرقام تٌصدّق مرغماً، ما هو معلن عنه أن أكثر من 270 عملية استئصال رحم أُجريت في المستشفيات الفلسطينية خلال عامٍ واحد، أمّا المستور، هو إجراء مئات العمليات بعيداً عن التوثيق الصحي .
قبل أسابيع طرحت إذاعة صوت نساء غزة المحلية عبر موقعها الإلكتروني استطلاعاً للرأي حول"استئصال أرحام ذوات الإعاقة ذهنياً خوفاً من اغتصابهن" واستمر الاستطلاع مدة أسبوع. وتباينت وجهات النظر بين مؤيدٍ ومعارض، إذ وصلت نسبة المؤيدين للاستئصال "29% " وهي نسبة قليلة مقارنة بالأشخاص الذين رفضوا الأمر إذ بلغت نسبتهم 62%، فيما فضّل ما نسبتهم 10% خيار لا أعلم .
الإعلامية في إذاعة نساء غزة إسلام البربار أرجعت أسباب الظاهرة إلى غياب الوعي لدى العائلات التي يعاني بعض أفرادها من مرض الإعاقة الذهنية. وقالت في حديثها لـ نبـأ برس: "الدافع لهذه الجريمة هو أن الفتيات يسهل اغتصابهم مقارنة بالفتيات الاصحاء، نظراً لغياب قدرة التفكير لديهن، وسهولة الايقاع بهن".
مقابلات عديدة أجريت مع أهالي أقدموا على استئصال أرحام بناتهم المعاقات بمبررات مختلفة فبعضهم ذهب إلى عدم قدرة الفتاة على التعامل مع الدورة الشهرية، و عدم قدرة الأم على تعليم ابنتها طرق الحفاظ على نظافتها الشخصية. في حين يعلل بعضهم؛ بأنهم لا يستطيعون وضع ابنتهم تحت الرقابة 24 ساعة في اليوم "فالواقع مرير و هناك الكثير من ضعفاء النفس، فاستئصال الرحم حماية من تعرض ابنتهم للاعتداء الجنسي وعواقبه الوخيمة".
المعهد الدولي لتضامن النساء كشف في آخر دراسة عن وصول عدد عمليات استئصال ارحام الفتيات من ذوات الإعاقة إلى 270 حالة خلال عام، مؤكداً على أن الأعداد غير المعلومة أكبر بكثير.
من زاوية شرعية يقول رئيس لجنة الإفتاء بالجامعة الإسلامية ماهر السوسي: لا يجوز الإقدام على استئصال عضو خلقه الله تعالى في الإنسان إلا في الحالات المرضية التي يكون علاجها بهذه العملية، أما المرض العقلي وعدم السيطرة على التصرف والسلوك فلا نراه عذرًا يجيز مثل هذا النوع من العمليات، لما فيها من تعدٍّ على خلق الله، ومخاطرة صحية بالقطع والجراحة، ويجب على الوالدين والأولياء مراقبة تصرفات هذه الطفلة وتجنيبها ما يؤذيها.
قانونياً قالت هبة النايف، المحامية القانونية لدى الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية: "من غير الديني ولا الحقوقي أو المنطقي إجراء استئصال الرحم للفتاة المعاقة، خوفا من افتراض تعرضها للعنف الجنسي، وبالتالي حملها، ما يعني التراخي عن حمايتها وانتهاك حقوقها من خلال نزع رحمها من أحشائها بشان تخوف ما". وتضيف: "ويعتبر ذلك من عوامل خطورة التعرض لهذا العنف، كونه سيتركها عرضة للأمراض الجنسية المعدية، بما فيها الإيدز، والمعاناة النفسية التي ستعاني منها أيضا، وإن كانت معاقة، داعية الجهات المعنية والحكومية و الحقوقية رصد تلك الانتهاكات والاهتمام بمتابعتها وتعريض القائمين للمسألة والتقاضي قانونيا".
وفي الخليج العربي تباينت الآراء "بشدة" حول إزالة عائلات لأرحام بناتهم المعاقات، بسبب خوفهم من احتمالية اغتصابهن، ومن ثم حملهن. وفي الوقت الذي تبدي فيه أمهات خوفهن على بناتهن من التعرض للاغتصاب، وإحداث مشاكل صحية ومحرجة بسبب الدورة الشهرية لهن، ويسعين لإزالة أرحامهن، يرى حقوقيون وعلماء دين أن عملية إزالة الرحم للمعاقة، هي انتهاك صارخ لحقوقها الإنسانية والصحية.
وتقول أم أسامة التي أصابها الهلع جراء خروج ابنتها ذات الأربعة عشر ربيعا، و"المعاقة" من البيت: "خرجت أبحث عن ابنتي كالمجنونة، والأفكار السوداء تملأ رأسي، وكانت أكبر مخاوفي، أن تتعرض ابنتي التي لا تدرك تصرفاتها، إلى الاختطاف أو الاغتصاب".
حملة بحث شارك فيها أهل الفتاة وجيرانها، استمرت نحو ست ساعات، قادت عائلة أم أسامة إلى اكتشاف مكان وجود الفتاة التي كانت تلعب بالرمل في متنزه يبعد حوالي 5 كيلومترات عن بيتها. كان الإجراء الأول، الذي أقدمت عليه أم أسامة وزوجها، الذهاب بابنتهما إلى الطبيب، للتأكد من أنها لم تتعرض لأي اعتداء.
وبعد أن اطمأنت الأم إلى أن صغيرتها لم تتعرض لأذى، عادت إلى بيتها، وأخذت تفكر بإجراء عملية إزالة رحم لفتاتها، كي تضمن عدم حدوث حمل لديها، إذا ما تعرضت للاغتصاب.
تقول أم أسامة إن الأطباء شخصوا حالة ابنتها على أنها "تخلف عقلي شديد"، وهذا ما يزيد من أعبائها كأم تجاه هذه الفتاة، التي تشدد على إبقائها تحت نظرها، غير أن الاعتناء ببقية الأبناء وشؤون المنزل تزيد من صعوبة المهمة على الأم، في حين لا تسمح ظروف العائلة المادية بإحضار ممرضة خاصة للطفلة.
أم أسامة، وبعد حصولها على تقرير طبي يؤكد الحالة المرضية لصغيرتها، ذهبت إلى أحد المستشفيات الحكومية، وأجرت عملية إزالة الرحم، لتطمئن أكثر على ابنتها، خصوصا أنها لم تعد تعاني من آلام الدورة الشهرية، التي انقطعت عن الفتاة بعد إجراء العملية.
قصة أخرى، تماثل قصة أم أسامة وابنتها، لـ خديجة، التي تربي ابنتها أمل المعاقة (19 عاما)، كانت تجهل إمكانية إجراء عملية إزالة الرحم، لذلك تقول "أنها تأخرت في إجرائها لابنتها".
وتضيف خديجة أنها أم لستة أبناء "أصغرهم أمل، التي ولدت وهي تحمل إعاقة عقلية شديدة، ومنذ ذلك الوقت والعائلة ذات الإمكانات المحدودة، تعاني ماديا ونفسيا جراء حالة أمل، كونها تحتاج إلى رعاية صحية كبيرة، وكذلك تحتاج إلى متابعة ومراقبة دائمتين"، الأمر الذي تؤكد الأم على صعوبته نظرا لكثرة الانشغالات.
معاناة أهل أمل زادت، بعد أن وصلت ابنتهم إلى سن المراهقة، والتي كانت أولى علاماتها انتظام دورتها الشهرية، وهذه أيضا أضافت عبئا كبيرا وجديدا عليهم، خصوصا أنهم فشلوا في تدريبها على سلوكيات النظافة خلال هذه الفترة.
تقول خديجة، أنها مرت بمواقف مؤلمة ومحرجة كثيرة، جراء عدم إدراك أمل كيفية التصرف إثناء الدورة الشهرية، ناهيك عن الآلام التي تعانيها بسببها كغيرها من الفتيات.
ومن المواقف المتكررة التي تقع الأم نتيجتها حبيسة حيرة وعدم قدرة على التصرف بشكل صحيح، هو قيام أمل بنزع ملابسها لإزالة الفوطة الصحية التي تزعجها على مرأى من العائلة جميعها، وأحيانا يتم ذلك بوجود زوار للعائلة.
ولا تنسى الأم التجربة الأولى لأمل عند قدوم الدورة الشهرية، بحيث خرجت ويداها ملوثتان بدماء الدورة، في طريقة لإعلان استغرابها مما يحدث معها، ليظن الأهل للوهلة الأولى أن الفتاة جرحت يديها.
بعد سنوات من المعاناة مع أمل، وخصوصا بعد ظهور علامات الدورة الشهرية، تقول خديجة "نصحتني إحدى جاراتي بزيارة طبيبة نسائية لسؤالها عن إمكانية وضع حل لمشكلة ابنتي، فبينت لي الطبيبة إمكانية إزالة الرحم، ما يسبب انقطاعا للدورة الشهرية".
وتضيف أنه وقبل سنة تقريبا "خضعت أمل لهذه العملية"، وتؤكد الأم أن معاناتهم مع ابنتهم خفت كثيرا، وأصبح تركيزهم على تأمين الرعاية لها وضمان عدم خروجها من البيت وحدها تحت أي ظرف، خوفا من تعرضها للاغتصاب.
"هَم أهون من هَم"، تقول أم شريف التي تراجع حاليا مستشفى البشير، بهدف الحصول على تقرير طبي، يؤكد إصابة ابنتها (15 عاما) بإعاقة عقلية لإجراء عملية لها لإزالة الرحم، وترى أن ذلك سيرحم الأسرة من مخاوف تعرضها للحمل بالحرام والابتلاء بابن غير شرعي قد يرث إعاقة أمه.
بيد أن أم شريف تدرك، أنه وحتى بعد إزالة رحم ابنتها، فإن ذلك لن يحميها من مخاوف التعرض للاغتصاب، ولكن، على الأقل سيحميها من إمكانية الحمل إذا ما تم اغتصابها.
وعند سؤالها لماذا تظن ان ابنتها ستتعرض للاغتصاب، تقول ام شريف ان ابنتها جميلة، وانها تخاف من ان تغفل عنها وتخرج الى الشارع وحدها، وقد تتعرض حينها للاغتصاب.
شرعية إزالة ارحام المعاقات عقليا
وحول شرعية إزالة ارحام المعاقات عقليا، اختلفت الآراء ما بين مؤيد ومعارض، فالبعض يرى أنه تصرف غير انساني، لأنه "انتهاك" لحقوق الانسانة المعاقة، في حين يرى مؤيدون أنه "رحمة" للفتاة التي تعاني آلام الدورة الشهرية، ويسهم في تخفيف اعباء الاهل المسؤولين عن رعاية ابنتهم المعاقة عقليا، وحمايتها من أي اساءة أو انتهاك.
المعلومات لدى المصادر الرسمية والجهات الخاصة المهتمة بالمعاقات عقليا قليلة جدا، حول أعداد عمليات ازالة الارحام لهن، الا ان رئيس قسم النسائية والتوليد في مستشفى البشير الدكتور عصام الشريدة، يؤكد أنه تجرى في مستشفى البشير من 3- 4 عمليات ازالة ارحام للمعاقات عقليا سنويا، وتتراوح اعمارهن ما بين 14- 18 عاما.
ويبين الشريدة أنه مؤيد تماما لهذا التوجه، لافتا الى أن الطبيب هو الاقرب لفهم حالة المعاقة عقليا وأهلها، ويعلم تماما المعاناة الدائمة التي يعانيها الاهل مع ابنة معاقة، خصوصا مع قدوم الدورة الشهرية.
ويشير الى أنه يسمع قصصا "رهيبة ومؤلمة" لمعاناة أهالي مع بناتهم المعاقات عقليا، والامر الاصعب، ان الام تتعامل مع عائلة كاملة مكونة من اب وابناء، ما يجعل مهمة الاعتناء بمعاقة عقليا، مستحيلة، تحتاج الى متابعه حثيثة ودقيقة على مدى اليوم.
ويرى أنه لا ضير من إزالة الرحم من دون المبايض، نظرا لاستحالة زواج الفتاة كونها متأخرة عقليا، ما يجعل وجود الرحم "مجرد عبء وإزالته افضل لها"، متسائلا "ما الفائدة المرجوة من الابقاء على الرحم في مثل هذه الحالات؟".
نقطة حماية المعاقة عقليا من الاغتصاب والحمل، يعتبرها الشريدة ثانوية، مؤكدا أنها جزء من مشكلة المعاقة، ولكن من ناحية طبية، حين يتم ازالة رحمها، فإن ذلك يوفر لها ولعائلتها الراحة، وليس لحمايتها من الاغتصاب والحمل فقط.
الطبيبة النسائية والناشطة في مجال قضايا المرأة منال التهتموني، تعتبر هذه العملية "اساءة وانتهاكا لحقوق المعاقة"، مؤكدة على أنه لا يوجد ما يبرر إزالة رحمها.
وعلى الرغم من أن المعاق شخص فاقد الأهلية، لا يستطيع اتخاذ أي قرار يخصه بنفسه، الا ان التهتموني توضح ان ذلك لا يبرر ان يعرّض والدا المعاقة عقليا حياة ابنتهما للخطر، بإجراء هذه العملية، خصوصا مع وجود بدائل يمكن الاستعاضة بها، لقطع الدورة الشهرية عن المعاقة عقليا.
وتبين أن الطبيب يستطيع اعطاء المعاقة إبرة، تمنع قدوم الدورة الشهرية لخمس سنوات، مشيرة الى ان اجراء عملية ازالة الرحم، عملية ليست سهلة، وذات آثار جانبية، قد تؤدي الى موت صاحبتها اثناء اجرائها، او حدوث نزيف او التهاب، وبعد اجرائها قد يحدث لدى المريضة التصاقات في الامعاء.
الشريدة يؤكد أن الإبرة التي تحدثت عنها التهتموني، يمكن اعطاؤها للمعاقة، ولكنها تؤخر قدوم الدورة الشهرية لستة شهور فقط، ولا يجوز اعطاؤها للمعاقة الا مرة واحدة مدى الحياة، ما يعني انها غير مجدية.
التهتموني التي تعمل في معهد العناية بصحة الاسرة، تشير الى انه عندما تراجعها حالات من هذا النوع، تبين الطرق البديلة لأصحابها وتشرح لهم مخاطر اجراء هذه العملية، وتقول: "إن استئصال رحم المعاقة، هدفه الوحيد راحة الاهل، ولكنه ظلم للفتاة"، وتؤكد أن "هذا لن يحمي الفتاة من الاغتصاب".
الغريب أنه وبالحديث مع رئيس قسم النسائية والتوليد في مستشفى الجامعة الاردنية الدكتور شوقي صالح، المؤيد لاجراء هذا النوع من العمليات، التي يعتبرها "رحمة للفتاة المعاقة واهلها"، أوضح ان مستشفى الجامعة لا يجري هذا النوع من العمليات، لان الطب الشرعي أكد لهم على انه لا يجوز اجراؤها.
ويذكر صالح أنه وخلال السنوات الماضية، راجعهم نحو 5 حالات لمعاقات، طلب اهاليهن اجراء عملية إزالة أرحام لهن، ولكن عند تحويل الملف الى الطب الشرعي، جاء الرد أنه لا يجوز اجراء هذه العملية من الناحية القانونية والشرعية.
بيد أن صالح يؤيد اجراء هذا النوع من العمليات، ويعتبر أنه لا فائدة من وجود رحم لفتاة معاقة عقليا، كونها لن تتزوج، كما ان قدوم الدورة الشهرية يسبب مشاكل جسدية لها، فهي لا تعلم كيف تتصرف في هذه الحالة، فضلا عن معاناة الاهل.
ولا ينكر شوقي أن السبب الرئيس في نظر أهالي المعاقات، يكمن في الخوف من تعرض بناتهم الى الاغتصاب ومن ثم الحمل، وذاك برأي شوقي، مبرر قوي لإجراء العملية.
أما التهتموني، فإنها تؤكد على عدم قانونية وشرعية إجراء هذه العملية، الا انها كشفت عن طريقة تعامل أغلب المستشفيات الخاصة وحتى الحكومية لتمرير إجرائها، من دون محاسبة.
وتبين أن الطبيب يكتب في التشخيص الطبي للمعاقة، أن سبب إزالة الرحم طبي، كإصابتها بالتهاب أو غيره، من دون ذكر السبب الحقيقي وراء ازالته، أي خوف الاهالي من تعرض ابنتهم للحمل، إذا ما اغتصبت.
مستشار الطب الشرعي هاني الجهشان يقول: "إن هناك مطالبات من قبل بعض اطباء جراحة النسائية والتوليد، بالسماح لهم قانونيا وأخلاقيا بإجراء عمليات جراحية، لاستئصال رحم فتيات بعمر المراهقة، يعانين من إعاقات مختلفة، استجابة لمخاوف أمهاتهن وآبائهن، من تعرضهن للاستغلال الجنسي، ومن ثم حملهن.
ويضيف أنه "لتجميل بشاعة هذه العملية"، يطلق بعض الأطباء وبعض أهالي المعاقين عليها مسميات تجميلية مختلفة، مثل "علاج معاناة البلوغ لدى الطفلة المعاقة"، أو "التعامل مع آلام الطمث لدى الطفلة المعاقة"، أو "الحفاظ على طفولة الطفلة المعاقة".
بيد أن محاولة إحاطة هذا الإجراء بعبارات تبدو منطقية، وفق جهشان، لا يغير شيئا من كونها "انتهاكا صارخا لحقوق الانسان".
ويرى أن للطفلة المعاقة، وبغض النظر عن طبيعة إعاقتها، مثلها مثل قريناتها المراهقات غير المعاقات، حقا أساسيا في أن تنمو كل مراحل عمرها، وأن يكون جسمها مكتملا غير منقوص لأي سبب من الأسباب، وأن أي استئصال لأي جزء منه بما في ذلك رحمها، انتهاك لحقها بالمساواة وعدم التمييز، وكذلك اعتداء على حقها الصحي، وخصوصية جسمها.
ويزيد أن ذلك الانتهاك، لا يمكن تبريره تحت أي دواع طبية أو أمنية قاصرة، تخفي وراءها عجزا واضحا في حماية الأطفال المعاقين من كافة أشكال العنف الموجه ضدهم، بما في ذلك العنف الجنسي.
وللتغلب على مخاوف الأهل من تعرض المعاقة لاغتصاب ينتج عنه حمل، يرى جهشان أن الحماية من العنف الجنسي وعواقبه، تحتاج إلى رعاية وقائية تمنع حدوث العنف، ابتداء من توفير البيئة الآمنة الحامية لهن من أية عوامل خطورة.
وفي حال حدوث العنف الجنسي، يؤكد جهشان على أهمية توفير الإجراءات الطبية بإعطاء عقار منع الحمل الاستدراكي، وعلاج الأمراض الجنسية المعدية، وتوفير العلاجات الوقائية من الأمراض الخطيرة من مثل الإيدز والتهاب الكبد الوبائي.
ويقول إنه "من غير المنطقي إجراء استئصال الرحم للفتاة المعاقة، خوفا من افتراض تعرضها للعنف الجنسي، وبالتالي حملها، ما يعني التراخي عن حمايتها"، ويعتبر ذلك من عوامل خطورة التعرض لهذا العنف، كونه سيتركها عرضة للأمراض الجنسية المعدية، بما فيها الإيدز، والمعاناة النفسية التي ستعاني منها ايضا، وإن كانت معاقة.
ويشدد على أن حماية كافة الأطفال من العنف، بمن فيهن الفتيات المراهقات، وإن كن معاقات، هي مسؤولية اجتماعية مشتركة، ما بين والدي الطفل والدولة.
ويبين أن الحكومة ملتزمة بحماية كافة الأطفال من جميع أشكال العنف، اذ تنص المادة (19) من اتفاقية حقوق الطفل على أن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة، لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال، أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال، بما في ذلك الإساءة الجنسية".
ولفت جهشان الى أن المادة (23) من الاتفاقية نفسها، تنص على أن "تعترف الدول الأطراف، بوجوب تمتع الطفل المعوق عقليا أو جسديا، بحياة كاملة وكريمة، في ظروف تكفل له كرامته وتعزز اعتماده على النفس، وتيسر مشاركته الفعلية في المجتمع، وتعترف الدول الأطراف بحق الطفل المعوق في التمتع برعاية خاصة".
وبخصوص اتفاقية حقوق الاشخاص ذوي الاعاقات يذكر جهشان أن المادة (16) فيها تنص على أن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية وغيرها من التدابير المناسبة لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة، داخل منازلهم وخارجها على السواء، من جميع أشكال الاستغلال والعنف والاعتداء، بما في ذلك جوانبها القائمة على نوع الجنس".
ووفق جهشان، الذي يستند الى هذه المواد في قضية تجريم عملية استئصال رحم المعاقة، بأنه انتهاك لحقها في الرعاية الخاصة التي نصت عليها المادة (23) من اتفاقية حقوق الطفل وتراخ في حمايتها من عنف الاستغلال الجنسي، وبالتالي انتهاك لحقها بالحماية كطفلة، والذي نصت عليه المادة (19) من الاتفاقية نفسها، وحقها في الحماية كمعاقة، كما نصت عليه المادة (16) من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
مدير مركز الطب الشرعي ومقرر اللجنة الطبية للاخلاقيات الطبية الدكتور مؤمن الحديدي، اكتفى بالقول "إن اللجنة تبحث حاليا هذه القضية من كافة الجوانب، سواء الطبية أو الاخلاقية أو الدينية"، مبينا أن القرار الذي سيتخذ حول السماح بإجرائها من عدمه، سيضع على رأس أولوياته مصلحة المريض.
من الناحية الشرعية، يؤكد الاستاذ في علم الشريعة حمدي مراد أنه لا يجوز ازالة الرحم بحجة حماية المعاقة عقليا من الحمل الناتج عن الاغتصاب، مشيرا الى أنه من الأولى توفير العناية والرقابة للمعاقات، ومن ضمنها صيانة وحماية عرضها، التي يعتبرها مراد فرضا شرعيا، يشترك في تنفيذه الاهل والمجتمع من مؤسسات حكومية ومدنية.
ويصف مراد المؤيدين لإجراء هذه العملية، بأنهم "ليسوا عقلاء"، مؤكدا أنه لا يوجد هدف طبي لإزالة الرحم، والهدف الوحيد لإزالته هو "فتح باب الرذيلة والزنا".
وأوضح مراد أنه يقصد بذلك، أن الأهالي عندما يرحبون بإزالة أرحام بناتهم المعاقات، وكأنهم موافقون على أن تتعرض للتحرشات والاغتصاب، همهم الوحيد هو عدم حدوث الحمل.
من ناحية قانونية، تؤكد المحامية رنا أبو السندس أنها ضد الفكرة بعمومها، ولكن توافق عليها عند توافر سبب طبي لإجرائها، مبينة أنه لا يوجد في القانون ما يبيح أو يجيز إجراء هذه العملية.
وترى ياغي أن أبعاد هذه الظاهرة خطيرة وقد تؤدي إلى تفاقم وكبر حجم المشكلة. وقد يخلق ذلك هوة بين الفتاة المعاقة والأسر والمجتمع بشكل عام "لأنها قد تصبح عرضة بشكل مباشر للاغتصاب وبالتالي، ستصبح بعد ذلك هي من تطلب ممارسة الجنس" بسبب زيادة الهرمونات الجنسية لدى ذوي الإعاقة الذهنية، إضافة إلى الأمراض التي قد تلحق بالفتاة بعد عملية الاستئصال، ولا حقا تداعيات كبر العمر وأمراض القلب وغيرها.
وفي الأردن توجد ظاهرة إزالة الأرحام للمعاقات عقليا منذ فترة طويلة، ويعتبر الأهالي الخطوة، عادة استباقا احترازيا لحماية الفتاة من أي عواقب أي اعتداء جنسي، فيما يسود الغموض البيانات الرسمية وسط مطالب بتشريعات لضبط الظاهرة.
وتقول رئيسة جمعية "أنا إنسان" آسيا ياغي، إنه ومن خلال احتكاكها مع عائلات فتيات معاقات ذهنيا فان "الأهالي يشكون من عدم قدرة ابنتهم على المحافظة على نفسها أثناء الدورة الشهرية"، إضافة إلى التعب والإرهاق الذي يلحق بالأم أو الأخت جراء قيامها بخدمة الفتاة خاصة إذا وجدت أكثر من فتاة معاقة في العائلة، كما أن بعض الأهالي لا يرون مبررا لوجود الرحم ما دامت الفتاة المعاقة ذهنيا لن تتزوج.
"استئصال الرحم يفاقم مخاطر التعرض للاغتصاب"
"260 عملية استئصال بين 2007 و 2010"
إلى ذلك تقول مها السعودي رئيسة "لجنة المرأة في المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين" في حوار مع دويتشه فيله، إن ظاهرة استئصال أرحام الفتيات ذوات الإعاقة الذهنية لها أبعاد شرعية تحرمها، وحقوقية تتعلق بعدم أحقية الأهالي في اتخاذ القرار عن بناتهم، وصحية تتعلق بمخاطر ومضاعفات جانبية خاصة بعمليات استئصال الأرحام.
وأشارت السعودي إلى نوعين من التمييز ضد الفتاة المعاقة ذهنيا. الأول كونها امرأة والثاني لأنها ذات إعاقة. وأضافت أن الظاهرة تنتشر في عمان والمدن الكبرى وبين جميع طبقات المجتمع لأنها تجرى في المستشفيات الحكومية والخاصة وتقدر عدد العمليات بحوالي 260 عملية منذ عام 2007 إلى عام 2010 وهذه أرقام غير رسمية.
وترى السعودي أن عملية الاستئصال "انتهاك لحقوق وكرامة الفتيات ذوات الإعاقة العقلية". بل وتعتبر أنها أفضل طريقه "لطمس آثار الاعتداء الجنسي ومنع ظهور نتائجه وعدم معاقبه الجاني على فعلته وإتاحة المجال له بإعادة الاعتداء مرات عديدة". وتؤكد السعودي على إمكانية تأهيل الفتيات وتدريبهم على الاعتناء بأنفسهن خلال الدورة الشهرية، مشيرة إلى وجود بدائل يمكن أن تعالج المشكلة دون أضرار تلحق بالفتيات، كالحقن والإبر التي توقف الدورة لثلاثة أشهر.
"أهمية الخدمات صحية والحماية قانونية"
من جهتها ترى مديرة المشاريع في جمعية النساء العربيات ليلى حمارنة في حوار مع دويتشه فيله، أن الموقف من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق النساء، ومن بينها القضية الشائكة المتعلقة باستئصال الرحم لدى الفتيات ذوات الإعاقة الذهنية، يرتبط بمدى الالتزام بالمفاهيم الحقوقية ذات النزعة العالمية والتي توصلت لها البشرية عبر سنوات طويلة من البحث والاجتهاد والتوافق. "وقد تم التعبير عن هذه المفاهيم في نطاق الأمم المتحدة حيث توالى صدور الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الإنسان على جميع الأصعدة ومن بينها حقوق الأشخاص المعوقين".
وتضيف حمارنة انه لا يمكن أن تأخذ موقفا مثاليا فيما يتعلق بقضية الفتيات ذوات الإعاقة الذهنية في الأردن دون أن يتحقق الالتزام بتقديم خدمات صحية خاصة وحماية قانونية كاملة "فرغم أن الأردن كان قد وقع وصادق ونشر بالجريدة الرسمية الاتفاقية الدولية للأشخاص المعوقين إلا أنه لم يتخذ أي إجراء لتقديم الخدمات الصحية الخاصة للفتيات المعوقات أو الحماية القانونية لهن".
مشيرة إلى وجود اتجاه لدى بعض المنظمات النسائية للسماح باستئصال أرحام الفتيات إلى أن يتم تنفيذ الاتفاقية الدولية. "فمن الملاحظ أن وزارة الصحة والمجلس الأعلى للسكان والمجلس الأعلى لرعاية شؤون الأشخاص المعاقين لم يتبنوا سياسات تتعلق بتقديم خدمات صحية ملائمة للمعاقين". وقد ورد ذلك في تقرير الظل الخاص بمراقبة مدى التزام الأردن مع المعايير الدولية والذي دعمه برنامج المجتمع المدني ليتم تقديمه في بداية عام 2012 للجنة المراقبة التابعة للاتفاقية الخاصة بحقوق الأشخاص المعوقين ( CRDP) . ومن الناحية القانونية تشير حمارنة إلى وجود مواد قانونية في قانون العقوبات تجرم القيام بعملية إزالة الرحم دون سبب طبي ملح.
نقابة الأطباء: ضرورة وضع شروط مشددة
ويقول نقيب الأطباء الأردنيين الدكتور احمد العرموطي إن غالبية حالات استئصال الأرحام للفتيات ذوات الإعاقة العقلية تتم في المستشفيات الحكومية. ويضيف إن الطبيب يقوم بهذه العملية بناء على طلب الأهل الذين يعيش معظمهم في بيئة اجتماعية فقيرة، موضحا أن نقابة الأطباء اقترحت وضع شروط مشددة لإجراء عمليات استئصال الرحم تتضمن تقرير من طبيب نفسي وآخر من طبيب أعصاب، إضافة إلى تقرير من طبيب نسائي بان الحالة تستدعي إزالة الرحم.
ويرفض العرموطي التشكيك في الأطباء واتهامهم بالقيام بعمليات استئصال الرحم للفتيات ذوات الإعاقة العقلية بدون دواعي طبية. ويؤكد انه لا يوجد أي دليل على أن الطبيب هو الذي يقترح على الأهالي القيام بهذه العملية ويضيف أن مثل هذه العمليات تجري أيضا في أوروبا وأمريكا. "على الرغم من أن الحمل خارج إطار الزوجية مقبول في ثقافة تلك المجتمعات".