حول الاتهام بالإرهاب- منير شفيق
عندما تُرِكَ الإرهاب بلا تعريف ولا تحديد، تُرِكَ المجال لاستخدامه على حالات متناقضة، وبلا إقامة الحجّة إن كان في مكانه.
كان ذلك مقصوداً أولاً من جانب أمريكا التي جعلت منه أخطر تهمة يمكن أن تُتهَّم به مجموعة، أو فرد، أو حتى دولة. ثم سار على منوالها ثانياً كل من يريد أن يتهّم خصماً، أو مُخالفاً أو عدوّاً باعتباره إرهابياً ما دامت كلمة إرهاب واسعة إلى حدّ يمكن أن تشمل قوى المقاومة ذات الشرعية حتى وفقاً للقانون الدولي. ويمكن أن تفلت منها قوى مثل دولة الكيان الصهيوني والحركات الصهيونية التي تمارس الإغتيال. ولو أدّى ذلك إلى أن تصبح القوى التي تنطبق عليها تهمة الإرهاب معوّمة ما دامت التهمة موجهّة إليها وإلى غيرها من خصومها الأعداء.
فأمريكا تركت كلمة إرهاب بلا تعريف لكي تفلت أعمال كثيرة تقوم بها من التهمة، مثلاً الاغتيال بطائرة بلا طيّار، وبلا محاكمة، وبلا قانون، وبلا دليل قاطع مانع، أو ما تمارسه أجهزة المخابرات من اختطاف مطلوبين، أو اغتيال أو قتل المدنيين من خلال قصف من الطائرات.
وأمريكا تركت كلمة إرهاب بلا تعريف لتفلتَ منها حكومات الكيان الصهيوني وأجهزته الأمنية وتنظيماته الإرهابية الخارجية.
وأمريكا اتهمّت بالإرهاب عدد من حركات التحرير والمقاومات والدول الإشتراكية أو المُعارِضة لها.
بكلمة ثمة إزدواجية معايير صارخة طبّقت فيها أمريكا تهمة الإرهاب أو رفعتها.
ولأن أمريكا وتَتْبَعها الحكومات الغربية وعدد من حكومات العالم ورجال الإعلام أرادوا متعمدين أن يبقوا كلمة إرهاب دون تعريف جامع مانع ثم استخدموها بازدواجية صارخة أصبح من السهل أن يَرمي بها أي نظام مستبد أو فاسد خصومه ومعارضيه ويطالب دول العالم باعتماد من اتهمّهم بالإرهاب بأنهم إرهابيون.
لذلك منذ البداية يجب التوقف عن استخدام هذه الكلمة إلاً إذا تم الاتفاق على تعريف جامع مانع لها. أما أن تبقى كما هي الآن فثمة مشكلة كبيرة أشبه بمباراة ملاكمة في الظلام، حيث تمرّر كل الضربات الممنوعة وغير الشرعية.
فعندما يَتهّم الكيان الصهيوني وأمريكا المقاومة الفلسطينية بالإرهاب وهي مقاومة ضد احتلال، وثمة قرارات دولية من الجمعية العامة لهيئة اتلأمم المتحدة فضلاً عن القانون الدولي يقرّان بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بما في ذلك المقاومة المسلحة، فبناء على أي معيار يقوم ذلك الاتهام. المعيار هنا، رغبوي إرادوي ويتم بتجنٍّ سافر وظلم ظاهر. وكذلك يفعلون مع مقاومة حزب الله التي خاضت مقاومة طويلة ضد الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان وواجهت عدواناً صهيونياً عسكرياً عام 2006. وما زالت مقاومة مستمرة في مواجهة أي عدوان صهيوني متوقع في أيّة لحظة ضدّ لبنان. وقد أصبح الكيان الصهيوني يبدي قلقه كل يوم من تسلّح حزب الله في وجهه.
إن عدم تعريف الإرهاب سمح لهم باستخدام هذه التهمة كأنها حقيقة مسلماً بها. وبهذا أبقوا استخدام تهمة الارهاب في يد من يريد استخدامها وفي يد أمريكا والكيان الصهيوني خصوصاً، وبلا تعريف محدّد.
من هنا يعجب المرء كيف تقبل الجامعة العربية أن يجتمع وزراء داخلية دولها ليأخذوا بمبادرة من السعودية قراراً باعتبار حزب الله حزباً إرهابياً وكذلك فعلت دول الخليج مجتمعة في الوقت الذي لا يملكون تعريفاً للإرهاب، ولا يستطيعون إن امتلكوا أن يطبّقوه على حزب الله أو أيّة مقاومة أخرى يأتيها الدور.
أين تعريف الإرهاب ومن هو الإرهابي وغير الإرهابي لدى دول الجامعة العربية (ودول الخليج من ضمنها) وكذلك لدى أمانتها؟ صحيح أن القرار لم يؤخذ بالإجماع وهو دليل على عدم وجود مثل ذلك التعريف أصلاً، ولكن مع ذلك ليس للقرار مرجعية في تعريف الإرهاب.
أما إذا كان الأمر متروكاً لكل طرف وما يرغب وما يهوى، ومتروكاً، من ثم، لمن يؤيّده ويرفضه، فمعنى ذلك الدخول في الفتنة والفوضى والملاكمة في ظلام دامس.
ولهذا جاءت ردود الفعل ضدّ القرار من قِبَل أغلبية ساحقة من الهيئات والأحزاب والمؤتمرات والنخب. وكان موقف الذين حاولوا الدفاع عنه مضحكاً من ناحية ربط ما جاؤوا به من أسباب تسوّغه. فإذا كانت حجتهم هي تدخل حزب الله في اليمن أو سورية أو العراق أو سياساته الداخلية في لبنان، وبغض النظر عن الموقف نفسه، يُعتبر إرهاباً فيعني ذلك أن كل من يمارس التدخل انطبقت عليه تهمة الإرهاب. فالتهمة هنا بالإرهاب باطلة.
بكلمة وباختصار نحن هنا أمام تجنٍّ وظلم وعدم احترام للعقل والنفس وانتقال بالصراعات والخلافات إلى ميادين الفتنة.
طبعاً هذا لا يعني ألاّ تُخالِف أو تُصارِع أو تُواجِه. ولكنه يعني ألاّ تلقي التهم الخطيرة والمؤدّية للاقتتال والفتنة جزافاً. فعلى الجامعة العربية، بدورها، أن تلتزم ميثاقها وتلعب دول مُطفِئة نيران لا دور من يصبّ الزيت على النيران.