أخر الاخبار

البك المركزي الفلسطيني


أجمع خبراء ومختصون في الشأن الاقتصادي الفلسطيني، أن الظروف الراهنة سواء الاقتصادية أو السياسية لا تشجع على إنشاء بنك مركزي فلسطيني، وإنما الإبقاء على سلطة النقد كما هي عليه.
وكان الاتحاد العام للإقتصاديين الفلسطينييين قد نظم ورشة عمل هامة لنقاش مسودة قانون البنك المركزي المقدمة من قبل محافظ سلطة النقد، يوم الثلاثاء الماضي وعقدت الورشة في مقر الاتحادات والمنظمات الشعبية في مدينة رام الله، وقد استضاف الاتحاد كلا من الخبير المالي والاقتصادي د. جمال السلقان والخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم للحديث حول الموضوع، بالإضافة لمجموعة من الخبراء والمهتمين من مختلف السلطات، وحضر ممثلون عن اللجنة التنفيذية لمنظمة #التحرير وأعضاء من المجلس التشريعي وممثلين عن مختلف الوزارات والهيئات المهتمة بالشأن المالي والمصرفي.
وقد افتتح الأمين العام لإتحاد الاقتصاديين الفلسطينيي د. نبهان عثمان الورشة بكلمة ترحيبية بالحضور وبالمتحدثين.
وقدم محمود اسماعيل (ابو اسماعيل) رئيس دائرة التنظيم والعمل الشعبي في منظمة #التحرير لإلقاء كلمة ترحيبية تحث فيها عن أهمية اللقاء وضرورة الخروج بتوصيات تتعلق بهذا الشأن الهام.
وتحدث السلقان عن القانون المقترح وقام بعرض سريع لمسودة القانون وشرح معطيات الاقتصاد الفلسطيني من الجوانب الاقتصادية والقانونية.
وصرّح إن القانون المقترح ليس له أي مبرر من النواحي القانونية والاقتصادية أو النقدية، لأن قانوني سلطة النقد والمصارف يفيان بكافة المتطلبات التي تقتضيها الضرورة الاقتصادية والقانونية وليس هناك ثمة فراغ يوجب اصدار قانون يستبدل سلطة النقد ببنك مركزي، بل وعلى العكس فإن بقاء اسم المؤسسة كسلطة نقد يعطيها مرونة أكبر من حيث اتساع نطاق الخيارات أمامها حاليا وفي المستقبل، بحكم أن الإسم ذو طبيعة محايدة، ويسمح بالتالي للسلطة النقدية ممارسة مهام مجلس العملة أو ما يعرف بالـ Currency Board والذي قد يكون خياراً مفضلا في المستقبل عند التقرير بماهية سياسة ونظام سعر الصرف الذي ستتبناه فلسطين، وبالمقارنة مع خيار "البنك المركزي" الذي يحدده القانون المقترح فإن هذه المرونة ستتلاشى لأنه يحدد هوية المؤسسة وسعر الصرف على نحو واجب بحكم القانون، وهذا له مخاطر كبيرة على الاقتصاد الفلسطيني.
وقال السلقان، أن هناك شروطاً مهمة لإصدار النقد الوطني، أهمها وجود اقتصاد مستقل وقوي بدرجة معقولة قادر على انتاج ميزان مدفوعات قوي ومستدام يضمنن توفير قدر كافي العملات الصعبة كإحتياطي للعملة الوطنية المصدرة، ومن الشروط ايضا وجود مالية عامة فلسطينية حصيفة تضمن عدم تحويل الدين الى نقود مما يرهق الاقتصاد الوطني بضغوط تضخمية تستدعي تخيض قيمة العملة الوطنية وتآكل قيمتها الشرائية مما يطيح بوظيفة هذه العملة كوسيلة للتبادل التجاري وتغطية المدفوعات وكمستودع للقيمة.
وأشار السلقان ان من شروط إصدار العملة توفر الخبرات والكفاءات الوطنية لإدارة وتحديد سياسات سعر الصرف وهي معقدة، وكذلك وجود سوق مالي ونقدي متطورين يسمحان بإصدار وتداول الأدوات المالية على اختلاف أنواعها.
وفي إشارة إلى معطيات الاقتصاد الفلسطيني إزاء هذه الشروط والمتطلبات، ًصرّح السلقان إن الاقتصاد الفلسطيني يستهلك أكثر مما ينتج ويعاني من عجز تجاري مزمن يقارب الـ 5 مليارات دولار، مما يضطر اللاعبين الاقتصاديين في فلسطين الى الاقتراض أو الاعتماد على منح الغير، كما أن أرقام الدين العام تشير بوضوح الى خلل مستدام في إدارة الموازنة العامة للحكومة ووصول الاقراض المحلي للحكومة إلى الحد الأقصى الذي يسمح به قانون الدين العام.
وتطرق السلقان إلى الفاقد إلى يخسره الاقتصاد الفلسطيني من خلال استعمال الشيكل الاسرائيلي كعملة رسمية.
وصرّح إن مقدار العجز التجاري المقارب للخمسة مليار دولار يتم حقنه للاقتصاد الفلسطيني بالعملة الصعبة القادمة من الخارج بشكل هبات وقروض وتحويلات ثم نقوم بشراء الشيكل من بنك اسرائيل بالجزء الأكبر من هذا المبلغ لتمويل العجز التجاري مع اسرائيل، مما يعطي الاقتصاد الاسرائيلي دعما كبيرا من جراء استقرار العملة الصعبة لديه، في حين يخسر الاقتصاد الفلسطيني اي ميزة في هذا السياق، مما جعل اسرائيل المستفيد الأكبر من ميزة "السينيوريج" الناتجة عن استخدام الشيكل في السوق الفلسطيني كعملة رئيسية بمقادير مساوية للفرق بين عوائد استخدام الشيكل وتكلفة اصداره بالنسبة للبلد المصدر "اسرائيل".
وهنا اقترح السلقان ان يتم الشروع بخطوات للحد من هذه الخسارة، وصرّح إن هناك متسعاً لذلك وبدون اصدار عملة فلسطينية (لعدم توفر الامكانيات لذلك)، وهذا أكثر أولوية من تحويل سلطة النقد الى  بنك مركزي.
وتقدم السلقان بمجموعة أفكار لإجراء إصلاحات هامة في سلطة النقد، بما في ذلك إعادة دراسة نسب الإحتياطي الإلزامي المطبقة على البنوك العاملة في فلسطين وعلى جميع العملات.
وصرّح إن بقاء الوضع على ما هو عليه يعني أن سياسة نقدية انكماشية تطبقها سلطة النقد في حين أن المطلوب هو التوسع وتشجيع الائتمان، وتحدث بإسهاب عن امكانيات إصلاح ما يسمى بـ "بشباك الخصم" الذي يمكن للسلطة النقدية ممارسته.
وبخصوص القانون المقترح ًصرّح، ان القانون يعطي صلاحيات واسعة للمحافظ ويجعله بمنآى عن مراقبة ديوان الرقابة الادارية والمالية ورقابة المجلس التشريعي ويتخطى قانون مكافحة الفساد الذي يلزم كل من يعمل بالخدمة العامة على تقديم إقرار بالذمة المالية لديه ويجعل المحافظ مشرعا ومنفذا ومراقبا وشخصاً فوق القانون، بل أن مجلس الإدارة المقترح وفق القانون لن يكون لديه اي سلطة فعلية على أداء المحافظ وعليه أن يكتفي بما يعلمه به المحافظ.
وفي رد على سؤال فيما اذا كان التحول لبنك مركزي يخدم توجهات فلسطين في المحافل الدولية بتحولها لدولة، ًصرّح السلقان أن ذلك لن يخدم هذا المسعى الوطني، بل على العكس سيضر به لأنني أخشى من أن يثير هذا القانون سخرية المراقبين الدوليين ، وسيكون بامكان البعض بعدها القول أنظروا الى مؤسسات هذه الدولة التي ستطبع عملة وطنية بلا اي مقومات وبدون اي خبرة.
وختم السلقان حديثه بمجموعة من التوصيات يصار لمتابعتها من خلال الاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم، أن إنشاء بنك مركزي ليس أولوية في هذا الوقت، وقد نكون بحاجة لذلك في وقت لاحق، لأنه لا يشكل دعامة للاقتصاد الفلسطيني في ظل وجوده، وغيابه لا يشكل عائقا، وبالتالي وجود بنك مركزي من عدمه لا يتعدى سوى دلالة رمزية سيادية في ذهن البعض ولن يحمل قيمة اقتصادية كبيرة، وسلطة النقد تقوم بوظائفها وبنفس الدور.
وصرّح عبد الكريم "العوائق أمام الاقتصاد الفلسطيني وإدارته نابعة من أمرين، الأول هي الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل والقيود التي وضعت على سيادة السلطة، والثاني الأمر الواقع الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي يوما بعد يوم".
ولا يعتقد عبد الكريم، أن البنك المركزي الفلسطيني في حال إنشائه يستيطع إصدار عملة فلسطينية، لأن أهم شرط في العملة أن تحافظ على القيمة، فعندما تكون العملة ذات قيمة واستقرار ومحمية، ويتقبل الناس على شرائها وتأخذ بها، لكن إذا كانت العكس يتهرب منها الناس، وتصبح هامشية، لذلك الظروف المحيطة غير مهيئة لإصدار عملة تكون قادرة على أن تحفظ القيمة.
وحول أبر الملاحظات عن النصوص القانونية التي جاءت في مشروع قانون البنك المركزي، تحدث عبد الكريم موضحاً، أن هذه النصوص بحاجة إلى تدقيق، لأن بعضها يخدش الاستقلالية لصالح الرئيس والسلطة التنفيذية ولا يعطي دور كبير للتشريعي، كذلك الحوكمة منقوصة وتحتاح إلى إعادة صياغة وتوزيع الأدوار في داخل البنك وخارجه، وأيضا هناك ضعف باتجاه الرقابة والمساءلة للقائمين عليه في تأدية، مؤكداً "هذه المسائل الثلاث يجب أن نعيد النظر فيها في كل بند من البنود، وتناقش بروح إجابية، حتى يتم التوصل إلى بنود في حال الاستمرار في إنشاء البنك المركزي".
ومن المقرر أن يتم رفع مشروع قرار القانون بشأن البنك المركزي إلى الرئيس محمود عباس حتى يصادق عليه، لكن عضو المجلس التشريعي حسن خريشة، ًصرّح إن القانون أعطى الرئيس حق إصدار قوانين بمراسيم رئاسية عندما تحمل صفة الضرورة التي لا تحتمل التأجيل.
لكن خريشة أكد أن هذا القانون لا توجد به صفة الضرورة ويحتمل التأجيل إلى أي وقت، مضيفاً أن هناك الكثير من القوانين التي أصدرها الرئيس كمراسيم معظمها في الجانب الاقتصادي والاستثمار، وأستغرب أن من يدعون إلى انعقاد المجلس التشريعي، يعملون على استصدار قوانين بمراسيم رئاسية، وهو ما يغيب دور المجلس التشريعي وعودته للإنعقاد.
على الجانب الآخر، يرى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة #التحرير محمود إسماعيل، أن إنشاء بنك مركزي فلسطيني، هو موضوع مفصلي أساسي في التوجه إلى بناء الاقتصاد الفلسطيني من أجل فك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي المتمثل في اتفاقية باريس الاقتصادية.
وأكد إسماعيل، "أننا حصلنا الآن على دولة شبه عضو في الأمم المتحدة، ونعمل للحصول على دولة فلسطينية مستقلة، لذلك يتوجب علينا أن نبدأ العمل على بناء الاقتصاد الفلسطيني والمؤسسات الحكومية حتى تكون جاهزة للدولة المستقلة وعاصمتها القدس".
ويحوي مشروع قرار قانون البنك المركزي الفلسطيني، على 77 مادة، سيتم رفعها إلى الرئيس من أجل المصادقة عليها، وبالتالي تتحول صلاحيات سلطة النقد إلى البنك المركزي الفلسطيني بما فيها إصدار عملة مستقلة.
وتركزت المشاركات خلال ورشة العمل من الخبراء وأعضاء المجلس التشريعي والشخصيات رسمية، على انتقاد المواد القانونية التي جاءت في مشروع القانون، أو على الفكرة أساسا المتمحورة حول إنشاء البنك المركزي.
عضو الوفد الفلسطيني المفاوض في اتفاقية باريس د. محمد أبو قوقش، عارض بدوره فكرة إنشاء بنك مركزي وعملة فلسطينية معتبرا إياها كارثة اقتصادية، لأن الوضع الراهن غير مهيأ لذلك، ونحن لسنا بحاجة إلى مؤسسات جديدة.
الدكتور عاطف علاونة ًصرّح بدوره أن الاقتصاد الفلسطيني ليس جاهزا لخيار اصدار العملة الوطنية في ظل الظروف الراهنة .
وصرّح رئيس الاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين نبهان عثمان أن توصيات المشاركين في ورشة العمل سترفع إلى الرئيس محمود عباس، من أجل الأخذ بها.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-